|  آخر تحديث أبريل 29, 2020 , 3:47 ص

“أحلامنا الصغيرة أمامَ عظمَةِ الله”


“أحلامنا الصغيرة أمامَ عظمَةِ الله”



 

مؤخراً وعند النوم، بِتُّ أحَدِّثُ نفسي أكثر مما مضى، لعلّي أُبصر السبب ولعلّي لا أفقهُ منه شيئاً، ولكنِّي أعزوه بتفكيري البسيط إلى الانشغال بالذات حدّ الإفراط، في جوٍّ يخلو من أيِّ مظاهرَ للحياة، بالطبع أنا لم أفقد الوعي لغاية اللحظة وما زلتُ أتنفسّ الصعداء، وبالتالي فأنا أعيش! ولكِني في عالم ٍ مواز ٍ آخر في خيالي، لا، لستُ على قيد ِ الحياة. وهذا ما يعزوني للحديث مع نفسي لساعات أو بضع دقائق قُبيل موعد نومي، فمن كُثرة ما أردده؛ بِتُ لا أدري أساعات ٌ مرّت في الأحاديث أم دقائق! المهم، أن مُعظمَ هذه الأحاديث تُسبطرُ عليّ مُحكِمَةً بقبضتها على جُل تفكيري، إلى أن يغلبني النوم، وإني لأدعو الله أن يغلبني بطريقةٍ أسرع في كُل يوم؛ فما عُدت قادرةً على التمييز بين تلك الأحاديث والرؤى والأحلام، وبِتُ أرهق من أن أجدُ نفسي أمامَ وابل ٍ من الذكريات المتراكمة في ذهني عندما أستيقظ كُل يوم، وكأنما أستيقظ من نوم ٍ مُدته عدة عقود لا بضع ساعات.

إلا أنني أستطيع أن أتذكر بعد ذلك، في الساعات التي أقضيها في أعمال التنظيف المنزلية والترتيب، وأنا أُمارس دوري كأُنثى لا تأبه لتغيّرات حياتها المتكرره، فالنظافةُ أولاً وآخراً وقبل كُل شيء، في تلك الساعات تبدأ الأحاديث التي هممت بها في الليلة السابقة بالتخاطر إلى ذهني رويداً رويداً، وكأنها شريط ذكريات يُمر أمامي قبل موتها هِيَ في داخلي، لتتركَ بدورها ندوباً في ذاكرتي تُعاود منها البعث والحياة من جديد في الليلة القادمة.

أكادُ أجزم بأنّ معظمَ أحاديثي، تتلخص في الحياة التي أشعر بأنها ستبقيني على قيد الحياة، هذا إذا سمحت لي الحياة يوماً أن أعيشها حقاً. أقول في نفسي كُل يوم، إنني وفي مرحلة ٍ ما من حياتي، لن أفوّت فرصة الاستيقاظ مُبكراً كُل يوم لأرى نور الشمس وهو يشق طريقه من الطرف الآخر في العالَم ليصل إلينا، نحنُ اللذين طال انتظارنا ليليلنا الأسود ليبزغ فجرُه، ولن أحقق لنفسي العناء في التفكير بأيّ شيءٍ آخر حينها سِوى النور الذي سيهبني الله إياهُ يوماً ما ليأتيَ مثل فجر ٍ لا نهاية له ليالي أحلامي وما أرغبه أن يكون. أحدّث نفسي كُل يوم، قُبيل كُل موعد نوم، عن صباحات ٍ تعجُّ برائحة القهوة ووررد الجوري والياسمين، والخُبز، الطازج منه لا لجاهز، فأنا أحدث نفسي باستمرار عن فكرة أنني لن أعتمد على أحد ٍما غير يديّ في صُنع الخُبز الذي ستبقى رائحته عالقةً بي إلى أن يشمّها أحفادي كذكرى من جدتهم إلى الأبد، يتوارثون طيب تلك الرائحة في كلامهم جيلاً بعدَ جيل.

وعندما تتخاطرُ إلى ذهني تلك الصباحات، لا تخلو أبداً من ابتذالي اليومي لممارسة الرياضة مهما بلغ بي العمر، فأنا أحلمُ حقّاً بتلك الروح التي يُلامسها النور من الله، ويستشيظُ جسدها بالصحة والعافية بإذنه سُبحانه.

المُضحك المُبكي، أنّ تلك الأحاديث وعندما تبدأ بالتخاطر إلى ذهني تبدأ بخلق ِ أحاديث أخرى لتردّ عليها بعبارات مثل: اصبري، ستنالين. أو، لماذا العجلة؟ لا بُدَّ وأن شيئاً ما أجمل مُخبىءٌ لك في القدر. والرد الأكثر استعجالاً يتمثل بقول: ألا يكفي بأنّ نعيش اللحظة؟ ليأتيَ ردٌّ آخر من مكان ِ آخر: أليست اللحظة وميضٌ سريع قد صار وبالفعل من الماضي؟ حتّى يأتي ردٌّ آخر يقول: لا عليك. والردّ الأقربُ إليّ دائماً يقول: سيأتينا الله من فضله، إنا إلى الله راغبون.

فقلبي مؤمن بأنّ الله في اطّلاعٍ تام على تلك الأحاديث وما تُخالجه نفسي من ذكريات ٍ وأحلام، والحديثُ عن صباحات ٍ مُعطّرة بأحب الروائح إلى قلبي لاتبدو بعيدةً أبداً من أن يُحققها الله؛ فالله هو القريب، أقرب إلينا من حبل الوريد، وهو الكريم، ما إن أعطى أدهش، وهو القادرُ على أن تُبدد تلك الأحاديث بقدرته وأن تُبدّل بكرمه ِ وسخائه إلى واقع.

لن تكونَ أحلامنا الصغيرة، كبيت ٍ دافىء، وصباحات مُعطره وأرواح ٍ يملأوها النور كبيرَةً على الله، هذا ما أنهي به مناظرات كلامية تكاد لا تفارقني كُل يوم، إلا أنّها تعاود الظهور بشكل ٍ متتالي، وإيقافها نهائياً يبدو لي أمراً خارجاً عن سيطرتي بالفعل.

لن تكون أحلامنا الصغيرة كبيرةً على عظمة الله، وإنا لما أعطانا الله إياه في اللحظة لممتنون ولعظمة خيره منتظرون.

رمضان كريم

 

 

 

بقلم: رنا مروان – (الأردن)


3 التعليقات

    1. 1
      إيناس سعدوني

      كلامٌ يلامس القلب يَ رنا أبدعتي♥️

      (0) (1) الرد
      1. 1.1
        رنا مروان

        أشكرك عزيزتي، سعيدة برأيك ♥️♥️♥️

        (0) (0) الرد
    2. 2
      bara'ah_mj

      مثل ما اعتدت في كلّ مرة أقرأ لكِ نص ما، تحلّق بي كلماتكِ بعيدًا فأتأمل جيدًا جمال أفكارك وعظيم شعورك الذي تتركه في قلبي كل من يقرأ لكِ، دمتِ بخير وامتنان غاليتي رنا💜

      (0) (0) الرد

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com