الشيماء خليف – متابعات
أكد مشاركون في جلسة حوارية بعنوان الدراما الكويتية وتجربتها في استلهام حكايات ألف ليلة وليلة، أن التجربة الكويتية في عالم الدراما والفن والإبداع غنية وثرية في استلهام التراث، وذلك ضمن فعاليات النسخة التاسعة عشرة من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، شارك فيها نخبة من المبدعين الكويتيين، سعاد عبد الله، محمد المنصور، جاسم النبهان، عبد الرحمن عقل، منقذ السريع، وأدارها الدكتور حبيب غلوم، مساء أمس الثلاثاء، كما شهد اليوم الثاني من أيام الملتقى صباح اليوم حلقة شبابية في استلهام التراث الإماراتي، بمشاركة سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى، والدكتور صالح هويدي، مدير تحرير مجلة الموروث الصادرة عن معهد الشارقة للتراث، ونخبة من المبدعين الإماراتيين الشباب الذين تحدقوا عن أهمية التراث ودوره في كتاباتهم الإبداعية، ولاقت الحلقة تفاعلاً حيوياً لافتاً من الحضور. وكان الدكتور والباحث العراقي، محين الموسوي، تناول في محاضرة له أمس عن ألف ليلة وليلة، تطرق فيها إلى كتابة المعنون: الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة.
وفي التفاصيل، قال سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى، استكمالاً لمسيرة الراوي الحافلة بالتميز والإبداعات والخبرات الثرية، جاءت فعاليات النسخة التاسعة عشرة لملتقى الشارقة الدولي للراوي، لتضيف ما يليق بالرواي ومكانته، وبما يؤكد على دور ومكانة الشارقة وجهودها في ترسيخ حضور الراوي وتريخه العريق عبر مختلف المحطات والحضارات، ومن هنا جاء الملتقى بحلة جديدة ومضمون ثري، تحت شعار مهم هو ألف ليلة وليلة، بمشاركة ٤٣ دولة عربية وأجنبية، تلتقي على أرض الشارقة لتحتفل بالراوي، وتؤكد على أهمية تبادل الخبرات والتجارب والمعارف وسبر أغوار عوالم الراوي، حيث أصبح الملتقى موعداً للوفاء ومناسبة للاحتفاء ورد الجميل إلى الرعيل الأول الذي حمل ذاكرة الوطن، وحماة التراث وحراس التقاليد ومنصة للاحتفال بمن يستحقون الاحتفاء.
وتابع: يأتي ملتقى الشارقة الدولي للراوي في نسخته التاسعة عشرة ليؤكد مكانة الشارقة الثقافية، ودورها الرائد في الثقافة العربية والعالمية، فهي بيت المثقفين العرب وحاضنة التراث العربي التي لم تتخل عنه يوماً، وتشكل الدورة الجديدة للملتقى نقطة إضافية في سجل الشارقة الحافل، فبعد أن كان هذا الملتقى إماراتياً خليجياً، أصبح عربياً ثم دولياً، يستضيف الرواة والحكواتيين من مختلف دول العالم.
وأشار الدكتور المسلم إلى الدعم الدائم واللامحدود المقدم من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي يسهم مساهمة فعالة وحيوية في إنجاح الملتقى، في ظل رعاية كبيرة يحظى بها الملتقى من قبل سموه، وفي ظل دعم متواصل على مختلف الأصعدة المادية والمعنوية، بما يسهم في تحسين ظروف حياتهم وعملهم، والتأكيد على أهمية وضرورة استشارتهم والأخذ بمقترحاتهم وآرائهم وفقاً لتوجيهات سموه، نظراً لما يتميزون به من إمكانات وقدرات، تسهم بشكل مهم في دعم العمل في التراث الثقافي عموماً، فهم ركيزة أساسية في مجال التراث.
وأكد استمرار سعي المعهد إلى تطوير هذه الفعالية التراثية في مختلف المجالات، خصوصاً أنها تتميز بالتنوع والإبداع، فيه الكثير من الجديد والإضافات.
و شهدت الحلقة الشبابية التي جاءت بالتعاون مع مجلس الإمارات للشباب، وحملت عنوان استلهام التراث الإماراتي، مقاربة في الوعي بالتراث لدى الشباب الإماراتي ودوره في استلهام التراث وتوظيف عناصره ورموزه في الأعمال الإبداعية، تفاعلاً حيوياً لافتاً من قبل الحضور والمشاركين الذين بحثوا في تفاصيل أساسية مهمة، تتعلق بأهمية ومكانة التراث وضرورة إعادة تعريفه من جديد، وأكدوا أن التراث عامل مهم وملهم للمبدعين في مختلف مجالات وألوان الإبداع.
وقال سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى، لا شك بأنه ما زال هناك نوع من الضبابية والغموض في تعريف التراث، حيث يتم تغليف كل شيء بالتراث، وكأننا ننسى أن التراث هو الآداب والفنون والعادات والتقاليد وأنماط السلوك، وأن التراث هو الحياة، وليس الماضي فقط، ولا الحاضر وحسب، هو الأمس واليوم وغداً، وهناك فرق شاسع بين الآثار والتراث، فالآثار “حالة ميتة” تتحدث عن ماضي مات، وتوجد في المتاحف، بينما التراث حالة حية دوماً، وعندما تدخل المتاحف تموت.
وتطرق الدكتور المسلم إلى برنامج الدبلومات الذي يعتبر أحد العناوين المهمة في تعريف وتوضيح التراث للجميع، ومن بينهم المعلمون.
ومن جانبها، تحدثت القاصة فتحية النمر، عن تجربتها في عالم التربية والتعليم، والكتابة، موضحة أنه على الرغم من كل الدعم الكبير للتراث، وتسليط الضوء عليه بشكل مستمر، لكن مفردة التراث ما زال يكتنفها الغموض والضبابية، ففي المدارس كانت المعلمة المعنية بتجريس مواد التراث تقف عند التعريف المباشر والشكلي والسطحي للتراث، ولا تزيد عليه، ولا تغوص في عمق المفهوم، فالتراث هو كل ما يتصل بالحياة، وليس فقط اللبس والأكل، مثلاً، الأمر الذي يستوجب إعادة النظرة في تعريف مفردة التراث بما يليق بها وتستحقه.
وبدوره، قال الدكتور صالح هويدي، مدير تحرير مجلة الموروث العلمية المحكمة الصادرة عن معهد الشارقة للتراث، إن حزمة الممارسات والمعتقدات والقيم والفنون والعادات والسلوك وغيرها، تمثل رؤية المجتمع تجاه نفسه وتجاه الكون والعالم والطبيعية، وكل هذا مرتبط بالتراث.
وتابع: لكن هذا لا يكفي كي نعرف التراث جيداً، بل يجب أن نضيف إليه الموقف من التراث، ومعرفة علاقة التراث المحلي بالتراث العالي، وهل هي متصلة أم منفصلة، وعلاقة التراث بالماضي، وهل هو الماضي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جزءاً كبيراً من التراث يعيش معنا، وما هي علاقة التراث بالحاضر، والمستقبل، فالتراث لو لم يكن حياً لما استمر وعاش معنا حتى اليوم. وبالتالي يجب علينا ان نفكر بأساليب نوعية يمكن من خلالها إيصال التراث إلى الجيل الجديد بأدوات وتقنيات وآليات يفهمهما الجيل الجديد ويستوعبها ويقبل بها.
ومن جانبها، تطرقت الكاتبة الإماراتية الشابة فاطمة العامري عن تجربتها في كتابة القصص وكيفية الاستفادة من التراث، حيث يشكل التراث حالة من الإلهام للمبدع، فجميعنا ينهل من التراث ويستقي منه الأفكار وتوظيفها في عمله الإبداعي، ونحرص دوماً على أن نستفيد من المخزون التراثي والمعرفي في الكتابة الإبداعية.
و شهدت القاعة الرئيسية في ملتقى الشارقة الدولي للراوي، مساء أمس جلسة لمبدعين كويتيين، بعنوان: الدراما الكويتية وتجربتها في استلهام حكايات ألف ليلة وليلة، وكيفية تقديم الموروث الشعبي العربي من خلال الأعمال الدرامية، بمشاركة سعاد عبد الله، محمد المنصور، جاسم النبهان، عبد الرحمن عقل، منقذ السريع، وأدارها الدكتور حبيب غلوم. حيث عرضوا تجاربهم في هذا الشأن، وأهمية الأعمال التراثية في الدراما الخليجية.
وقالت الفنانة سعاد عبد الله، إن التجربة الإبداعية والدرامية في سبعينات القرن الماضي كانت تجربة نضوج فني وثقافي وسياسي وطفرة اجتماعية على كل الأصعدة، وشكل التراث مصدر إلهام للشارع والروائي وكل العاملين في المجالات الإبداعية، ولفتت إلى أول عمل شاركت فيه مستوحى من التراث، وهو بعنوان ألف ليلة وليلة، ولعبت فيه دور شهر زاد، ومن ثم تتالت التجارب على المسرح وكيفية الاستفادة من التراث الخليجي والعربي عموماً، حيث كان في الكويت أساتذة عرب كبار، عملنا معاً تحت مظلة التراث العربي في ظل أجواء مليئة بالحرية.
ومن جانبه، قال الفنان، محمد المنصور، لقد مر أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد على أول عمل تراثي شاركت فيه من خلال الإذاعة، كل حكايات ألف ليلة وليلة عبر الإذاعة قبل أكثر من ٣٥ سنة، ومثل هذا العمل وغيره الكثير تربت عليه أجيال عدة، وكان الجمهور يتابع تلك الحكايات بشغف، وينتظرها بلهفة.
وبدوره، قال الفنان جاسم النبهان، ألف ليلة وليلة هي مجموعة قصص، وأصبحت الأغاني الخاصة بهذه المسلسلات أهازيج، والأعمال هذه فيها إسقاطات عن شعوب وحضارات تناولها المسرح والدراما بما يرضي المشاهد من إعمار وأطياف، فمن يهمه رواية فهي رواية، ومن يهتم بالحكم فالحكمة موجودة، والفتوة والبطولات للشباب موجودة، وفي النهاية انتصار الحق الذي يطمح له الجميع.
وتابع: كلها قدمت ونجحت وتحمل إسقاطاً على أوضاع سياسية واقتصادية، وفيها مواربة، ولكن تعمر بشيء من الإبهار حتى يتم تغطية الموضوع، واستحضر حكايات البيوت حيث يجتمع الأهل كباراً وصغاراً لتروى لهم الحكايات، ومن ثم تطور الأمر إلى الراديو والتلفزيون والمسرح، ولقد قدمنا الكثير على خشبة المسرح والتلفزيون والإذاعة، ولَم تتوقف الدراما الكويتية عن الاستعانة بالموروث والتراث الإنساني.
وبدوره، قال الفنان عبد الرحمن عقل، عملت ٩ مسرحيات كانت مستمدة من ألف ليلة وليلة وأجملها السندباد البحري. المسرحية بسيطة، ولكن مع نجوم كبار، استمتعت بها كثيرا.
ولفت إلى أن بداية انطلاقتي كانت في المسرح، ذهبنا إلى ليبيا والجزائر وحصدنا جوائز خليجية، لا بد أن نضع على عاتقنا أهمية هذا التراث والموروث، ولكن من يقدم الأعمال الفنية حالياً أصبح القاتل بهذا الموضوع الإنترنت، وأصبح الطفل غير مهتم، فيجب أن نقوم بمتابعة هذه التطورات، ونقدم أعمالاً قريبة ومشابهة لمتطلبات الجيل الحالي.
ومن جانبه، قال الفنان منقذ السريع، أذكر أن تجربتي في الأبيض والأسود كان مسلسل الإبريق المكسور، وكان عمري ١٠ سنوات، وأنا من أبناء مسرح الخليج كوني تواجدت مع والدي في عمله في المسرح، وحققت شهرة في الأعمال التراثية مثل مسلسل جحا، الجوهرة والصياد، وعندما دخلت في عالم الإنتاج والإخراج المسرحي، لأني أحب هذه الأعمال، أعدت إنتاج أحد هذه المسلسلات، وكان فشلاً ذريعاً، بسبب ارتفاع التكلفة لهذا النوع من الأعمال.
وتابع: أعتقد مكتبة التلفزيون الكويتية غنية بأعمالنا هذه، وأتمنى أن نستطيع يوماً إنتاج أحد هذه الأعمال كألف ليلة وليلة.
إلى ذلك، اقترح مدير الجلسة على رئيس معهد الشارقة للتراث فكرة إعداد وإنتاج عمل فني يحمل اسم ألف ليلة وليلة، من خلال هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون.
حصة وافية في الملتقى لكل عشاق المعرفة والتراث والثقافة، من خلال ما يقدمه البرنامج الثقافي على مدار أيام الملتقى الثالثة، ووفقاً للدكتور مني بونعامة، مدير المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث، رئيس اللجنة الثقافية للملتقى، فقد درجت اللجنة العليا المنظمة لملتقى الشارقة الدولي للراوي، على انتخاب موضوعات تراثية وثقافية تتصل بشعار الدورة الجديدة للملتقى، لذلك عملنا في هذه النسخة الجديدة على طرح مجموعة من المقاربات الرصينة والجادة التي تتسق مع شعار الملتقى، وتحتفي بعالم ألف ليلة وليلة وما يتضمنه من عبق وجمال وسحر، يرتحل بالمتفرج إلى عوالم مليئة بالغرائبية والعجائبية مع الجن والمردة والكائنات الخرافية وشخوص خيالية وشخصيات واقعية تثري بتنوعها فعاليات هذه الدورة.
وتابع: لدينا في هذه الدورة الكثير من المحاضرات النوعية لقامات فكرية وازنة لها إسهامات قيمة ودراسات محكمة عن ألف ليلة وليلة، بالإضافة إلى إطلاق نخبة من إصدارات الملتقى، نذكر منها: ألف ليلة وليلة للدكتورة سهير القلماوي، مجلة فصول المحكمة 3 أعداد، بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكنز التراث الثقافي في العالم العربي، خريريفة مجيريفة، وغيرها الكثير.
و تحدث الباحث العراقي، الدكتور محسن الموسوي، عن ألف ليلة وليلة، وتطرق إلى كتابه الذي يحمل عنوان الذاكرة الشعبية لمجتمعات ألف ليلة وليلة، المكون من سبعة فصول تحوي أكثر من ٦٠٠ صفحة، تعالج وتبحث وتناقش موضوعات عدة، من بينها كيفية استقبال حكايات ألف ليلة وليلة في أوروبا، وصيغ الكلام وأوجه الكتابة في ألف ليلة وليلة، بالإضافة إلى آليات موازية للحكي في ألف ليلة وليلة، والمرأة في محكي ألف ليلة وليلة، وغيرها. وليس جديداً الإشارة إلى أن هذا البحث للموسوي استغرق نحو عقدين من العمل والاشتغال على أصول ألف ليلة وليلة. كما أن اهتمام الباحث بدراسة قصص ألف ليلة وليلة، جاء من منطلق بحثه عن مشترك ثقافي يمكن أن يكون نقطة اهتمام بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، ولقد احتلت ألف ليلة وليلة مكانة مهمة لدى الباحثين والمبدعين والنقاد والكتاب، فسطوة ألف ليلة وليلة الحكائية تكمن في هذا التناوب بين المحرّم والممنوع، وبين التوق للخروج من القمقم.