إنني أتعفَّن؛ بعيداً عن ذاتي واللهِ لأني أموت، هذا الخرابُ الذي يسكنني، والبؤس الذي يحول بيني وبينَ إلتآم ِ الجروح، شيءٌ ما يعمل على تآكلي رويداً رويداً بكل نهم ٍ وجشع، اسمهالحياة! لم تكن الحياة منصفةً معي، وأكثر من نصف قراراتي بها بل كُلها كانت خاطئة! جُررتُ نحو مهالك الضياع، وتُهت باختياراتي في متاهات روحي المتألِمَة، إنّها نفسي، تنتقم! تنتقمُمني لكل الوعود ِ التي قطعتها عليها عبر السنين ولم تحصل، لكلِّ مرّة خنتها فيها واخترت رغم كل الدلالات الطريق الخاطىء، تنتقمُ لكل الليالي التي تركتها فيها وحيدة، تبكي مرارةالعبىء الثقيل، لكلِّ مرّةٍ هويتُ بها على أرضية غرفتي الباردة، لكل مرّة سلّمتها بكلتا يدي، على طبق ٍ من ذهب، إلى كُلِّ أولئك اللذين لا يستحقون، لكل مرّة سُحِقتُ فيها بسبب ِ من لا يكادلهُ ذكرٌ أو وجود، لكلّ مرَّة ألبستها فيها تلك الأقنعة المُزيّفة، وخِلتُها بتلك الأقنعة مبتهجة، وهي تئنُّ خلفها تنازع مرارة الوجود!!إنني أتعفّن؛ حيثُ الوجودُ من حولي تخالهُ سُكَّر، وهو محضُ مُرٍّ وعلقم، إنني أتعفن، موضعَ دفني لأحلامي البراقة في مقبرة النسيان الأزلي، موضع وضعي التراب الأسودَ على بريقها،إنني أتعفن، ومجدداً على أرضية غرفتي الباردة، حيثُ لا أحد، سوى وحديَ والآلام، وجهنّم الندم ِ في روحي تستعر، تلتهبُ بكل ما فيّ، بكل ما لم أملك القدرة على المحافظة عليه، بكل ماجازفت به، بكل ما أتت عليه في داخلي الأيام، إنني أتعفن، جزاءاً لكل طريق ٍ حق حدتُ منه إلى طريق أبشع، إنني أتعفن، وكل الضحكات الخرقاءِ في رأسيَ تُجلل، والليالي التي التهمتنيبسوادها وأغرتني ببريقها تلتهمني الآن وحدي، حيثُ لا بريق ولا قهقهات، وإنما سكونٌ ابتلع مني القدرة على الكلام، سكونٌ خِلت فيه نفسي بكماءُ صمَّاء، لا يسمعني أحد، والركب منحولي يعبرون ولأكنني خيالٌ إيايَّ لا يُبصرون!!إنني أتعفن، لم تكن الحياة معي يوماً وردية كما وعدتُ، ولكم خُدعت بكلمة الأبد التي تتردد على ألسنة أولئك اللذين يسرقون العُمر من مُحيّاك وأنت تبتسم، لم يكنِ الأبدُ إلا خدعة ً يعملونبها على تنويمنا مغناطيسياً حتى لا نصحو فنتمرّد على آمالهم ومخططاتهم، ثُمّ ماذا؟ ها أنا ذا أتعفّن، وأشتمُّ لروحي تلك الرائحة المؤذية، أشعر باللهيب يعتريني من أخمص قدميّ حتىشيبُ الشعر في رأسي، ومع ذلك إنّ جسمي يرتجف، وروحي ترتعشُ برداً زمهريرا.هل يولدُ الإنسانُ يا تُرى في مكان ٍ نعرفه جيداً، اسمه الأعراف؟ فيتوه في قرارات حياته تلك التي تهوي به إما إلى النعيم أو الجحيم؟ أم أننا نولدُ بأقدارنا؟ لم أعرِف ما هو القدر أبداً، كانيُهيأ لي بأنني قادرة على خلق تلك المجريات بيدي، كانت تبدوا لي الحياة وكأنها مكعبُ صلصلال ٍ صغير أُشكله كما أشاء، والحال أنني كنت أنا الصلصال الذي تتلاعب به دمى الحياةوالأيام، لم أُشكَّل كما أريد، هذا شيءٌ أكيد! فاستحالةٌ أبدية أن تكون ارادتي تقبعُ في رميي جسداً هزيلاً وروحاً ممزقة على أرضية باردة ٍ مُتسخِه! الحقيقة أنني لم أعرف ما هو القدر يوماً،ولكنني الآن، نعم الآن، بحاجة إلى معجزة سماوية، تنتشلني من وسط هذا الظلام، تمسح من عليَّ دموعاً خائبة، وتُلبسني لباس الصحة والعافية، وتقودني للهداية، إلى طريق الله الذيلطالما عصيتهُ سرّاً وعلانية، إلى طريق الله الذي رغم كل تقصيري الفاجع لم يتركني ولو لبرهة واحدة، حتّى في أشدّ حالات الشتات والضياع والعصيان، لطالما كنت أهوي على عقبيممزقة، أبكي ذلك البؤس الذي ألبسته روحي، وكان الله المنان حينها يريني نوراً صغيراً في وسط كل ذلك الضياع، أسيرُ اليه فلا أهتدي، أتعثر بزّلاتي وأخطائي وعصياني، وإذا مااقتربتُ منه يوماً، جرّتني إليها الدنيا بكلتا يديها، وإذا ما تمردتُ عليها أخذتني من ذلك النور بمخالبها، والآن أريد أن أعيش في وسط ذلك النور، أريد أن تحملني قوة إليه، أن تدفعني نحوهُمعجزة لا تقدر الدنيا برمتها عليها، نعم، أنا الآن أتعفن، أبكي مرارة الخسران، أتآكل بفعل نيران قلبي وأتوه بفعل تلك القهقهات في رأسي، ما حولي كُله ظلام، وأنا وحدي، في زاويةغرفة مُعتمة، أبكي نفسي، وأرجو لها النور، أرجو لها الاستقامة والهداية!!
إنني أتعفَّن، أحتاجُ معجزةً لتنقذني ورمضانُ بإذن الله سيُحييني.
بقلم: رنا مروان – (الأردن)
1 التعليقات
ويج آلجهني 🕊.
2019-05-05 at 1:33 ص (UTC 4) رابط التعليق
شكراً لقلمك ، لم يكن الأمر سهلاً عليّ لأنتشل قلبي من كم المشاعر السلبية القابعة داخلي ، لكن أن يساعدك شخص بأنتشالك من ظلمتك ويقول لك لست وحدك من تشعر بكل هذا ، هناك من يشاركك بهذه الحرب مع الدنيا ، هناك من يناضل أيضاً ، فيعيد الأمل لقلبك لتحارب من جديد ، كانت كلماتك السبب بكل هذا الأمل ، شكراً بحجم السماء لأنك كاتبة 💛💛🕊.
(0) (1)