للقراءة المفيدة أهمية كبرى في بناء الإنسان والحضارات، وتنمية الفكر والتفكير والمهارات، لما ينتج عنها من اكتساب المعلومات الجديدة النافعة والمعارف الفريدة الناصعة التي من خلالها يتنور العقل بنور العلم النافع، ليصبح كالشمعة التي تضيء لصاحبها الطريق في الظلام الدامس.
ولقد كانت أول آية نزلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، “اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ”، وهذا دليل على فضل القراءة وأهميتها وعظم منزلتها، وأعظم القراءة تلاوة القرآن الكريم، الذي هو كلام الله جل وعلا، فكلما قرأه الفرد وتمعن وتدبر فيه حصلت له أعظم الفوائد، وقوي عقله واستنار، وصلح له قلبه وحاله، ورفعت منزلته، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: “يقالُ لصاحِبِ القرآنِ: اقرأ، وارتَقِ، ورتِّل كَما كُنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا، فإنَّ منزلتَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرأُ بِها” [سنن أبي داود: رقم 1464 والترمذي: رقم 2914].
وللقراءة مزايا عدة وفوائد جمة، منها: التعرف على العلوم والثقافات والحضارات المختلفة، وكسب مهارات التخاطب مع الآخرين، كما لها دور بارز في الإبداع والابتكار والتطور والازدهار.
ومع تطور التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية الذكية، أصبحت القراءة أسهل بكثير مما كانت عليه في السابق، فالمعلومة تحصل عليها في ثوانٍ معدودة، مع توفير في الجهد والوقت، وهذه نعمة من نعم الله عليها، يجب علينا شكرها، ويكون ذلك باستخدامها بالطريقة المثلى، وبما يرضي الله جل وعلا، وأن نقرأ كل ما هو مفيد، ونجتنب كل ما هو مضر، فليست العبرة بالقراءة فقط، بل العبرة بالقراءة المفيدة المستبصرة.
قد يقرأ الشخص كتباً تنمي فكره ومنطقه، وتزيده علماً وفهماً، وترتقي بمهاراته ومواهبه، وتغذيه بالثقافة الإيجابية المعتدلة التي يرتقي من خلالها بنفسه ويخدم وطنه، وقد يقرأ الشخص كتباً تهوي بفكره إلى الحضيض، فإياك أن تغتر بالكلمات الرنانة والعبارات المزخرفة دون تمعن في مضمونها، فبعض الكتب الغرض منها غسل أدمغة شبابنا وبث الأفكار المسمومة فيها، حتى يكونوا أداة في أيدي هؤلاء المنحرفين فكرياً، ويتشبعوا بأفكار سلبية تحولهم إلى أعداء لأوطانهم، فالمتطرفون يحرصون على بث السم في العسل في مؤلفاتهم للتغرير بالشباب، وفي المقابل الكاتب الإيجابي همه من كتاباته بناء وطنه وتنميته والسعي إلى ازدهاره ورقيه من خلال كتاباته الإيجابية النافعة.. وشتان بين هذا وذاك.
كما أن الشباب بحاجة إلى الحصانة الذاتية التي تجعلهم على يقظة ووعي تام في هذا الجانب، حتى يميزوا الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح.
وتتوافر في القراءة النافعة أربعة جوانب مهمة: الاستعداد، والتمعن، والفهم، والاستنتاج، متى ما توافرت هذه العوامل فقد تحصل الفائدة المرجوة من القراءة، وكذلك لا بد من تحديد هدفك من القراءة، وتخير الكتب بعناية حتى تحصل على المعلومة الصحيحة التي تبحث عنها، وأن تختار من الكتب والكتّاب ما يرتقي بمستواك العلمي والمعرفي.
واحرص عند اختيارك للكتب أن تتوافر في مؤلف الكتاب بعض الضوابط، ومنها: سلامة العقيدة والمبادئ، فالكتاب وعاء لأفكار مؤلفه، والقارئ هو من يستقي من هذا الوعاء، ومن الضوابط كذلك أن يكون المؤلف متخصصاً فيما يكتب، وعلى القارئ استشارة أهل التخصص، فإن ذلك يختصر عليه الجهد والوقت.
ومن الجميل أن تحرص على اقتناء الكتب وقراءتها، ومن المهم جداً أن تختار النافع منها، التي تغرس في النفوس والقلوب حب الدين والوطن والقيم الرفيعة المتمثلة في الوسطية والاعتدال وقيم الخير والأخلاق الفاضلة والمبادئ الرصينة والسلوكيات السوية، حتى تكون القراءة إيجابية هادفة، تبني ولا تهدم.
وأوصي الآباء والأمهات بالاهتمام بأبنائهم وغرس محبة القراءة في نفوسهم ومتابعتهم باستمرار، واقتناء الكتب النافعة لهم مع مراعاة المستويات العلمية والسِّنية، وعلى الشباب كذلك أن يحرصوا على بذل الطاقات وتوجيهها نحو القراءة واستثمار أوقاتهم بما يعود عليهم وعلى وطنهم بالرفعة والازدهار.
كما أن دولتنا المباركة اعتنت بالقراءة عناية بالغة، وخصصت عاماً كاملاً للقراءة في إحدى السنوات السابقة، وشيدت المكتبات العامة في مختلف المواقع، ووضعت الجوائز المخصصة للقراءة على المستويين المحلي والعربي للنهوض بالشباب العربي، وحثه على القراءة التي هي أساس العلم والتقدم والرقي.
قال المتنبي:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ … وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ
بقلم: فيصل الشامسي