نحن قوم تربينا على الانتماء والولاء لهذا الوطن الغالي والدولة الحبيبة واتحادنا المتين، لذلك سيبدو عنوان هذه المقالة مستهجناً ومستغرباً في نظر الأكثرية الساحقة من الإماراتيين الذين لا يستقيم لا في وجدانهم الحي ولا في تفكيرهم السليم أن يكون أحد أبناء هذه الدولة عدواً لها، عدواً للوطن الذي أنجبه ورباه ومنحه أفضل ما يمكن لوطن أن يقدم لأبنائه.
لكن للأسف هذه هي الحقيقة المرة، فهناك فعلاً بعض المواطنين ممن يمكن تصنيفهم بأنهم أعداء لهذا الوطن، وقد رأينا نماذج منهم في قضية التنظيم السري والتنظيم الإرهابي وغيرها.
لكن الآن ظهر على الساحة صنف جديد، صنف يختبئ خلف شعارات الوطنية وحب الوطن، ولكنهم يدسون السم في الدسم، ويعملون عمل العدو بين ظهرانينا، تماما كالطابور الخامس، لكن هذه المرة نفسياً وإعلامياً من خلال ترويج الإشاعات والمعلومات المضللة وتثبيط الروح المعنوية.
في كل حرب، هنالك حرب المدافع والدبابات والطائرات، وهناك الحرب النفسية، وأسوأ أنواع الحرب النفسية هي التي يتم تنفيذها على يد أشخاص من بني بلدك ودولتك، وبين صفوفك، وهذا ما يفعله البعض للأسف من الذين لا يهمهم في الوجود شيء إلا ذواتهم الصغيرة وأن يقال فلان يعرف وفلان يعرف!
خذوا مثالاً حادثة عدن الأسبوع الماضي. بمجرد ورود الأنباء الأولية عن وقوع التفجير بدأ البعض يشحذون سكاكينهم ليطعنوا الوطن في الخاصرة، مرة عبر نشر تفاصيل مختلقة، ومرة عبر تضخيم أعداد الشهداء، ومرة عبر تمرير صور مفبركة، وهكذا دواليك. ونحن في المحصلة في حالة حرب، وأقل تلاعب في الأخبار من الممكن أن تكون له تأثيرات سلبية مضاعفة لا يقدرها «قصار النظر» وصغار العقول.
القيادة العامة للقوات المسلحة قبل أن تعلن أسماء الشهداء الأربعة أخذت وقتها، للتأكد من الهويات، ثم إبلاغ الأسر حسب البروتوكول العسكري، ثم إصدار البيان الرسمي، ولكن قبل ذلك بساعات نفاجأ بأحد المهووسين «بمصادره الخاصة» ينشر عبر تويتر أن عدد الشهداء بلغ 25 شهيدا.
بالله عليك، كم حجم البلبلة التي أنتجتها فقط لكي يقال فلان «أبو العرّيف» لديه مصادره الخاصة؟ وماذا فعلت بأمهات وعائلات الجنود الذين بقيت أيديهم على صدورهم معتقدين أن القوات المسلحة ستصدر بيانات إلحاقية ببقية الأسماء عندما أورد البيان الرسمي أربعة أسماء فقط؟
لماذا يسمح البعض لأنفسهم أن يكونوا حربة في ظهر الوطن لا لشيء إلا لكي يقال فلان، هذا إذا افترضنا فيهم حسن النية، ولو افترضنا فيهم سوء النية لربما طالبنا بمحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة بتهمة تثبيط عزائم الأمة وإضعاف الروح المعنوية وإثارة البلبلة والفتنة وهذه في قوانين كثير من الدول تعتبر من جرائم الخيانة العظمى عندما تكون الدولة في حالة الحرب.
عبثك على تويتر أو على غيره من وسائل التواصل الاجتماعي لا يجوز أن يكون على حساب الوطن وأمنه وسلامة جنودنا، واعتدادك بذاتك مهما بلغ لا يجوز أن يصبح أكبر من انتمائك للوطن والدولة والبيت المتوحد.
تخل عن صورتك المتضخمة لأن الوطن أكبر بكثير منك.
ليس كل ما تقرؤه على الإنترنت يستحق التوزيع والتصديق، وليس كل ما يصلك على الواتس اب يجوز إعادة توجيهه للناس. المثل يقول: الشائعة تنتهي عندما تصل إلى أذني رجل حكيم. كن أنت هذا الرجل الحكيم الغيور على وطنه المحب لقيادته وشعبه.
أما «جنرالات الكيبورد» فهذه قصة أخرى، وخاصة الذين يفتون في تفاصيل عسكرية لا يفقهون فيها، وأنا أود أن أوجه لهم نصيحة أخوية، إذا كنت فعلا لديك هذه الكفاءة العسكرية فهذا باب التطوع مفتوح ومعسكرات التدريب العسكرية ترحب بهم، «رأونا مريلتك أو الريال يريل نفسه».
لكن التنظير الفارغ من أي مضمون والتحليلات الخالية من أي هدف سوى الثرثرة والبلبلة لا تخدم أحدا سوى الخصم الذي لا يريد خيراً لهذه الدولة وأبنائها.
واسمحوا لي هنا أن أضيف لهؤلاء وأولئك فئة أخرى تعتقد أن وجود هاتف ذكي في يدها يعطيها الحق في نشر أي شيء يقع تحت أيديهم، فتجدهم مرة يصورون وثيقة رسمية وينشرونها، مرة يصورون مسؤولين في اجتماع أو في جلسة خاصة وينشرونها ومرة أخرى يحصلون أو يسمعون معلومة بحكم العمل ويسارعون لبثها ونشرها.
من أعطاكم هذا الحق؟ ومن قال إنكم مخولون بنشر هذه المعلومات التي اؤتمنتم عليها؟ ومن عينكم بديلا لوكالة الأنباء الرسمية أو الناطق الرسمي باسم جهة عملكم؟ ألا تعلمون أن تصوير شخص ونشر صورته دون إذنه عقوبته قد تصل للسجن، فكيف عندما يكون هذا الشخص في جلسة ليست للنشر العلني؟ خاصة وأن البعض يزيد الطين بلة فيحدد المكان!
لسنا ضد حرية التعبير التي كفلها دستور دولة الإمارات وقوانينها، لكننا ضد الفلتان وضد غياب المسؤولية الوطنية عن كثير مما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، وضد أن يسمح البعض لأنفسهم بالإساءة للوطن وإثارة البلبلة فيه لمجرد تجميل صورهم القبيحة!
اتقوا الله في هذه الدولة، واتقوا الله في هذا الشعب الطيب، ولا تكونوا عوناً لكل متربص، لا تكونوا طابوراً خامساً بنقرة زر.