|  آخر تحديث أكتوبر 6, 2019 , 19:33 م

#رنا_مروان | تكتب: “في حفظ الله ورعايته”


#رنا_مروان | تكتب: “في حفظ الله ورعايته”



رأيتكَ ترتجِفْ، أبصرتُ بأمّ عينيّ داخلكَ يَئِنُ ويتألَم، اقتربتُ منكَ رويداً على رؤوس أصابع قدمي لئلا أوقظك، كُنتَ في نومك دائماً ذلك الملاكُ الهادىء الذي أهيمُ في تأمله كل ليلةٍ ولا أمِلُّ لساعات، وأنت اليوم تهذي وتُصارع في منامكَ نفسَك، آلمَتني رؤية صورتك من خلال هذا الإطار المُرتجف، جلستُ إلى جانبك، تحسستُ روحك بكفي يدي اليسرى التي تُحب احتضانها كُل ليلة، ثمّ مسحتُ على جبينك بكفي الأيمن بـ “بسم الله، الله أكبر” وهِمتُ فيك من جديد، تأملتُ روحك جيداً:

 

 

لم أجد لنفسي مقعداً لأكون ضمن الحاضرين للشهادة على حروبك الداخلية، تصارع قسوة الدنيا وظروفاً تمر بها لا يعلمها إلا الله وحده، ولم أكن ذا سُلطة  تؤهلني لأكون لك على نفسك الحكَم؛ فأُنهي ببطاقاتي انتصارات الدنيا عليكَ، أنهيها فأنتبه بذلك إلى الكشف على جروحك ومداواتها بكل رأفة.

 

كنتَ ترتعشُ بين يدي وكأنّ صقيعاً قد غلّفً جدار روحك الداخلي وقلبك، وصوتك مبحوحٌ يهذي ويُتمتم، تلك الجراح، كانت تأكل من كيانك مساحات ٍ وأميال، يا أسفي، كيف لم أُبصر ذلك من قبل؟ أين أنا منك! لقد كنت تكذب عليَّ بكلامك العذب، بابتساماتك التي كانت تشرق في روحي وتشدو ألحاناً وألحان، لم أكن على علم ٍ بكل هذه المعارك، واليوم، في هذه الليلة، ها هو منامُكَ يكشفك لي بصورة مُفزعة.

 

تمالكتُ نفسي بعد ذلك المشهد بصعوبة، وبعدما أبصرتُ هوان أمري وعدمَ مقدرتي على مشاهدة كل تلك الجروح والمعارك، لم أستطع إلا بأن أكون مقاتلاً إلى جانبك، حارس دفاعٍ لمرمى الحزنِ في قلبك، أركلُ كل البؤس عنك، وأراك من بعيد تنطلق بحزم لتحقيق انتصاراتك، فأمسح عني دموعَ حزني عليك وأراقبك بعيني حارس ٍ أقسمَ على أن لا تُهزّ شباك مرماه أبداً.

 

 

هذا المشهدُ التمثيليُ الذي تخيلته، بدا لي حقيقة في الصباح، وأنت تصحو بين يديّ المتعطشتين للتربيت على ألمك والتخفيف عنك، تطلبُ مني احتضانك بكل ما أوتيتُ من حُب ورحمة، لم أسألك السبب ولم أُظهر لك شيئاً مما حصل؛ فكم يبدو من المُخجل سؤالك هذا السؤال البائت جداً! كنتُ أبكيك من داخلي، أبكي ألمك وجُلَّ ما ألّم بك من قسوة، لن أقول هكذا فجأه؛لأن هذا كله لم يحدث فجأه، لقد كانت معاركك معارك صامته، أعجز بعجزي البشري أن أشعر بك تناضل فيها من أجلك، بل من أجلنا.

 

احتضنك وكُلي يقين بأنّ الرحمة التي أنزلها الله لتدبّ في قليل ٍ من قلوب عباده، لن تكفي لاحتضان آلامك، جروحك وتقرّحات كيانك، فاستودعتُك في تلك اللحظة لرحمة الله سبحانه، استودعتُ آلامك لكرمه بأنّ يُخفف من وطأتها، وضعفك لرحمته بأن ترحمك الدنيا بظروفها، واستسلامك للقوي بأنّ لا أراكَ مستسلما، استودعتك لكريمٍ لا يرد عباده السائلين، لرحيم رحمـٰن لا يُظلم عنده إنسانٌ بمقدار ذرة.

 

 

 

ولكني عندما احتضنك، كذبتُ عليكَ كما كنت تكذب علي، لم أحتضنك إلا جراحاً ممزقة أردت أن أضمدها، ابتسامةً منهكة أردتُ أن أردها مشرقة إلى شفتيك، لم أحتضنك حُباً كما أردت فقط، بل امتناناً وعرفاناً لله بأني في حياتي إلى جانبك أُناضل، وامتثالاً لله بأمره بأنْ أكونَ سكنا، فاحتضنتُكَ لعلّ روحك بوجودي وإياك تَسكُنْ، احتضنت آلامك لأشاركك إياها، حتى يخف الحِمل عليك فأراك تتقدم.

 

أسفي عليَك لم تخبرني، أم على نفسي لم تشعر!ما كان يُرضيني يوماً أن أراكَ مهزوم القوى تتعثر، وبذلك فإني أستودعك منّاناً أن يَمُنَّ عليكَ بالرحمة، رحمةً تنجلي عنك بها هموم الدنيا كلها وإن تعاظمت في قلبك مجتمعة، أستودعك رحيماً، عظيماً في المنِّ والعطاء والرأفة، أستودعك لحُبك في قلبي، دمت بحفظ الله ورعايته.

 

 

 

 

بقلم: رنا مروان – (الأردن)


2 التعليقات

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com