أوّل كلمة حطّت رحالها في كتاب الله كانت “اقرأ” ، اختارها الله سبحانه وتعالى لتكونَ مفتاحاً للعلم الذي يُعتبر الوسيلة الأساسية لفهم الدين، الدنيا والآخرة، ولمّا كانت القراءة هي التشريف الأول الذي كرّم الله به نبيّه محمد صلّ الله عليه وسلّم لتكون تشريفاً لأمتهِ كاملة فإنّ من أفراد الأمة من تمّسك بها خير التمسّك وعمل بها متّخذّاً إيّاها منهجاً ونبراساً إلى يوم الدين.
ومن هذا المنطلق والهدف السامي تحرص دول العالم مجتمعةً على تشجيع أفرادها بشتّى الطرق والمناهج على القراءة؛ من خلال تنظيم الندوات التي تهدف إلى تطوير الذات وذلك من خلال توجيههم نحو المعلومات الغزيرة التي توّفرها الكتب، الحرص الدائم على تواجد المكتبات العمومية والخاصّة والتي تسمح بدورها لروّادها بالاطّلاع على قدرٍهائل من المعلومات بطريقة ميّسرة وشبه مجّانية، تنظيم الجلسات النقاشية المفتوحة والمغلقة مع الكُتّاب وذلك لمناقشة الأفكار الواردة في الكتب بطريقة ٍ علمية وصحيحة، مما يُعزز لدى القارىء شعور الانتماء لها من خلال طرح أفكاره عنها ومناقشتها أمامَ الملأ، وواحدة من أجمل الطرق المتبّعة للتشجيع على القراءة هي تنظيم المسابقات الدولية والإقليمية للقراءة، والتي تُعتبر إضافةً لهدفها السامي من أجمل الطرق التي يجتمع من خلالها العديد من المشاركين من مختلف الدول العربية أيّاً كانت إقامتهم تحت راية واحدة ألا وهي القراءة والمعرفة.
يُعد مشروع “تحدّي القراءة العربي” من أكثر المشاريع التنموية الرائجة في هذا المجال الهادف والمتميز عربياً ودولياً، حيث يلقى روّادَه الدعم والتشجيع من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. انطلقت هذه المبادرة عام 2015 ميلادياً وها هي الآن مستمرة بدورتها الرابعة على التوالي، تضم المنافسة جميع طلبة مدارس العالم العربي المشاركة من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثاني عشر، تبدأ المنافسة من شهر سبتمبر كل عام وتستمر حتى نهاية شهر آذار من العام التالي، وخلال هذه المدة يقوم الطلاب بقراءة الكتب على خمس مراحل، تتضمن كل مرحلة منها قراءة عشرة كتب وتلخيصها في جوازات التحدي، وبعد عدد من التصنيفات القائمة وفق معايير محددة على مستوى الدول المشاركة يتم اختيار عشر طلاب للسفر إلى دبي، والطالب صاحب المركز الأول يمثل الدولة في التصفيات النهائية والتي تقام في دبي أيضاً في شهر أكتوبر من كل عام.
واستكمالاً لمسيرة هذا النهج الفعّال تسعى صحيفة نبض الإمارات الإلكترونية إلى تسليط الضوء على مثل هذه المشاريع الهادفة وروّادها من يمثلون بإنجازاتهم مثالاً للشباب العربي الواعي والمثقف.
“خير الدين أبو الحسن” شاب فلسطيني يبلغ من العمر سبعة عشر ربيعاً، يرجع بأصوله إلى مدينة حيفا ويقيم الآن في مدينة لونبرغ الألمانية منذ لجوئه إليها قبل أربع سنوات من سوريا هرباً من الموت المحقق؛ لن أقول هرباً من الحرب، حيث أنّ الحرب الأساسية للإنسان برأيي تقبع في داخله، ولا فائدة إطلاقاً من الهرب من الحرب إن كان ذلك سيحقق السلامة الجسدية فقط، وفي دواخلنا آلاف من الحروب التي تقضي على سلامتنا الروحية والقلبية يوماً بعد يوم. لجأ خير الدين وعائلته إلى مدينة لونبرغ الألمانية بأهدافه ِ وتطلعاته، منتصراً أمام حروبه الداخلية، محققاً نصراً استثنائياً بالمحافظة على أحلامه رغماً عن كل الظروف.
جائت مبادرة تحدّي القراءة العربي لتثبت لخير الدين وعائلته والعالم أجمع مدى إمكانية الشاب العربي الطموح إذا ما استلهم من حُب الأوطان المتانة والقوة مهما أبعدته المسافات عنها أو حتى الحروب! فأنا أؤمن بأنّ دوام الأمم يأت ِ من دوام الأمل والطموح لدى أبنائها أينما حلّوا وارتحلوا “تفنى الحروب ولا تفنى الشعوب، تتوارث الأجيال القيم وبتلك القيم تدوم الأوطان” هذا هو رأيي فعليلاً وما أؤمن به.
حصل خير الدين على المركز الثالث في تحدي القراءة العربي بألمانيا، مثبتاً بذلك أنّ الانتصار على الحروب الداخلية هو النصر الحقيقي، وأنّ أكبر فوهةٍ لمدفعيات الأعداء إن كان بإمكانها سحق الأبدان بكل جُبن، فإنها لن تملك الشجاعة والإرادة المطلوبين أبداً لسحق الآمال والتطلعات، فإنّ مات اليوم حُلم واحد بسببهم يتوّلد في دواخل عشر ٍ من أبناء ذلك الوطن ليحققوه، وراية الطموحات في يد أبطال فلسطين بالتحديد تُسلّم من جيل إلى جيل ولا تموت.
يقول خير الدين من خلال مقابلة أجريناها معه: ولدت وترعرعت في مخيم اليرموك للآجئين الفلسطينيين في مدينة دمشق، خلال الحرب عشت ظروفاً صعبةً جداً، تشردّت بين الأحياء في دمشق وانقطع تعليمي بالصف الخامس ولكن لم أستسلم وأصبحت أتعلّم في المنزل مع أمي لأقدّم الاختبارات في نهاية العام الدراسي. وفي عام 2015 قدمت الى المانيا وتعلمت اللغة الألمانية بسرعة وأصبحت أعلمها للطلاب الألمان حتى، كما وأصبحت رئيس لجنة برلمان الطلاب في مدينتي الألمانية ورئيس لجنة الطلاب في مدرستي والحمد لله.
ويُكمل خير الدين: سمعت عن تحدي القراءة العربي في نهاية عام 2018 عن طريق الصدفة اثناء تصفحي في الشبكة العنكبوتية، رغبت في المشاركة به، لذلك راسلت الكثير من المسؤولين وسعيت كثيراً لأجد المسؤولة عن تحدي القراءة العربي في أوروبا السيدة أمل رشيد والتي أرسلتني بدورها الى السيدة صبا عمر المسؤولة عن تحدي القراءة العربي في ألمانيا، كان مطلوباً مني قراءة ٢٥ كتاباً عربياً وذلك إضافةً إلى وجود المدرسة الألمانية ووجوب الدراسة والاهتمام بها، لكن شغفي للقراءة دفعني إلى قراءة اكثر من ٣٠ كتاباً كما ولخصتهم بكل سرور واستفدت كثيراً من الكتب لأن القراءة تغذي العقل وتعود على القارىء بالعديد من الفوائد الأخرى.
أمّا عن الاختبار والحفل فقد أردف خير الدين قائلاً: كان موعد الاختبار يوم السادس من يونيو وكنت قد سافرت لمدة ٤ ساعات من مدينتي لونبرغ في شمال المانيا الى برلين العاصمة لتقديم الاختبار، وهناك حظيت بتوفيق الله وأبدعت وتحدثت بلغة عربية طليقة أمام اللجنة، سار الاختبار بسلاسة وتم طرح العديد من الأسئلة في مدة ١٠ دقائق حول الكتب الثلاثين الذين قرأتهم، في اليوم السابع من يونيو كان الحفل والتكريم وفزت بالمركز الثالث، حزنت و تفاجأت في البداية لكن سعدت بكوني من الأوائل الثلاثة وبكوني مثلّت الجالية العربية في ألمانيا خير تمثيل في محفل كبير كهذا، فرحت أيضاً لفوز زميلاتي وهما: فردوس بوزريوخ وشهد زيادة، تم تكريمي إضافة الى الجائزة بالسفر الى دبي في شهر أكتوبر وذلك من أجل المشاركة في الحفل النهائي مع الفائزين من كل بلد، كما وحصلت على جائزة مالية قدرها ثلاثمئة دولار أستلمها في دبي في الحفل النهائي إن شاء الله.
وختم “خير الدين” كلامه متوجهاً بالشكر لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على هذه المبادرة العالمية الرائعة والتي تهدف الى المحافظة على اللغة العربية وتشجيع روّادها، كما وأردف شكره لكل من ساهم وشارك في تنظيم تحدي القراءة العربي في ألمانيا وخصَّ بالذكر السيدة صبا عمر المسؤولة عن التحدي في المانيا، والسيدة أمل كمال رشيد على اهتمامها بنقل التحدي الى أوروبا إضافةً إلى اهتمامها بالطلاب. وأضافَ أيضاً: أحب أن اشكر السيدة رنا مروان وصحيفة نبض الإمارات على الاستضافة الكريمة، وفي النهاية أهدي هذا التفوق لأمي الحبيبة، لعائلتي وكل من ساندني.
ونحن بدورنا نقدم الشكر الجزيل إلى القائمين جميعاً على هذا العمل الرائع، ونتمنى دوام التفوق والنجاح لخير الدين، نبارك له ولزملائه ولعائلاتهم وأوطانهم هذا التميز، دمتم ودامت هممكم لا تنفد ولا تخيب.
تمت هذه المقابلة من خلال الكاتبة الصحفية
حوار : رنا مروان – ( الأردن)
1 التعليقات
Doaa ammar
2019-10-01 at 1:31 م (UTC 4) رابط التعليق
عمل موفق إنشاالله و يسعدك ربنا أحلى كاتبة دمتي بتميز فخورة بأكثر أنسانة رائعة تعرفت عليها و أحلى مين يكتب 🌸🌸❤
(0) (0)