يُخلق المرء لا حول له ولا قوة، يعيش ردحًا من طفولته الأولى يتعلم أساسيات الحياة وأسماء الأشياء، وتتشكلُ بعضًا من شخصيته وهويّته الأخلاقيّة والاجتماعيّة، متأثرًا بمحيطه الأسري وبيئته، وفي كلّ ما سبق يطمح لو يصبح رجلًا كبيرًا، صاحب كلمةٍ وموقفٍ، ويمتلك القوة لتحقيق ما يصبو إليه.
وبعد فترة مسيرته الأولى تبدأ مراهقته المتأخرة ومعها الكثير من الأمنيات والأحلام، حتى يصل لمرحلة الأربعين، نقطة التّحول الفاصلة في العديد من الجوانب النفسيّة والإدراكيّة، وفي هذه اللحظة يدرك المزيد من معاني الحياة وخصوصية هذه المرحلة الّتي خصّها المولى عز وجل في كتابه فقال “حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.
فهذا العمر هو عنوانٌ يحمل بين طياته عمقًا وجملة من الدّلالات الّتي تستحق التأمل والتفكير، وبالتالي اتخاذ قرارات أفضل في حياة الإنسان، كما أنّ الدّراسات العلمية الحديثة أكدت أنّه لا يكتمل نمو الدماغ إلاّ في سن الأربعين، إنّها مرحلة النضج الفكري؛ حيث يعيش المرء فيها وقد اكتسب تجارب حياتيّة وفهم أعمقٍ للعالم من حوله، مما يساعده على الوصول للاستقرار المهني والفكري، ومقدرة على إعادة تقييم للأولويات.
إنها تمثل حقبةً مهمة في حياة الإنسان، وقد تجاوز فيها مرحلة الثلاثين وشارف على منتصف العمر، نقطة التحول الجوهرية في مسيرة الشخص؛ يبدأ فيها في إعادة تقييم لمسار حياته، والتفكير في الإنجازات التي حققها، والدروس القيّمة التي تعلّمها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين جودة الأهداف التي يريد الوصول إليها.
كما تتجلى أهمية هذه الفترة العمرية في مجموعة من المواضيع المتعددة، مثل استرجاع الذكريات الجميلة والتجارب الصعبة التي مرّ بها الإنسان، والطموحات المستقبلية التي يسعى لتحقيقها، كما يأتي هذا الوقت مفعمًا بمشاعر مختلطة، حيث يشعر الفردُ بالتوازن بين المسؤوليات الّتي يتحملها في حياته الشّخصية والمهنية، وأيضًا بالرغبة العميقة في الاستمتاع بكلّ لحظة من الحياة بشكل أكثر رصانة ورزانة!!.
كما يُعتبر سن الأربعين أيضًا فرصة للتأمل في العلاقات الاجتماعية والعائلية، ومدى تأثيرها على مسيرة الحياة، فقد يشعر الشخص برغبة في تعزيز الروابط القوية مع الأصدقاء والعائلة ومحيطه.
ختامًا: عمر الأربعين عامًا هو سن الحكمة؛ إذ يستغل الإنسان تجاربه السابقة في توجيه نفسه وتقديم مشوراته للآخرين حوله، وبالتالي يسكب خمرة فكره في أذهان الآخرين، ليكون قدوة لهم، لذا قال “كارل يونغ” “الحياة تبدأ فعليًا في الأربعين، وحتى ذلك الوقت أنت تقوم بمجرد أبحاث”.
بقلم: عبدالعزيز محمود المصطفي