دعت دولة الإمارات، خلال اجتماع مجلس الأمن اليوم بشأن تمويل الجماعات المسلحة والإرهابيين، إلى محاسبة الأفراد والجماعات الإرهابية وغيرها من الجهات المتواطئة في عمليات الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية التي من المفروض توظيفها لخدمة المجتمعات.
جاء ذلك خلال بيان الإمارات الذي ألقاه معالي الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة، وفيما يلي نصه: «السيد الرئيس، أصحاب المعالي، أود بداية أن أشكركم، معالي مايكل موسى أدامو، وزير خارجية جمهورية الغابون، على تنظيم هذه المناقشة الهامة، والتي تأتي في توقيتٍ مناسب وهام، وأرحب بمشاركة السفير بانكول أديوي، مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلام والأمن، والسيدة غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وأشكرهما على إحاطتيـهما القيّمتين. وأنضم للأعضاء الآخرين في الترحيب بمشاركة ممثلي جمهورية مصر العربية والمملكة المغربية والسنغال وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية وكذلك رئيس وفد الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة في هذا الاجتماع.
السيد الرئيس، تعرب دولة الإمارات عن بالغ قلقها إزاء التداعيات الناجمة عن الاستغلال غير الشرعي للثروات والموارد الطبيعية على حياة الشعوب، والتي من المفترض أن تكون المنتفع الأول من هذه الموارد، إذ تسببت عمليات نهبها من قبل الجماعات المسلحة وشبكات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية العابرة للحدود في خلق مستويات غير مسبوقة من العنف، وحرمان مجتمعات بأكملها من التمتع بحقوقها الأساسية والشعور بالأمان والرخاء الاقتصادي، لتتحول هذه النعمة إلى نقمة حقيقية.
ويُعتبر الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية تحدياً ذا تاريخ طويل من الآثار السلبية على السلم والأمن سواء في أفريقيا أو في مناطق أخرى من العالم، فوفقاً للأمم المتحدة، تسبب استغلال الموارد الطبيعية في تأجيج 18 نزاعاً عنيفاً على الأقل منذ عام 1990. ونحن لا نبالغ حقيقةً عند وصف حجم التحدي القائم أمامنا، فالمعضلة لا تقف عند الطابع غير القانوني لاستغلال الموارد الطبيعية، بل تمتد إلى الوسائل الفاسدة والطرق غير المتكافئة التي تتم بها عملية توزيع العائدات، والتي تؤثر سلباً على نمو المجتمعات وجهود تنميتها. كما أصبح الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية بمثابة شريان يُغذي أنشطة الجماعات الإرهابية والمسلحة التي تستخدم إيرادات هذه الموارد لتمويل عملياتها وبسط سيطرتها على حساب الشعوب والدول التي من المفترض أن تكون المستفيد من هذه الموارد.
وتتجاوز هذه المشكلة الحدود الوطنية والإقليمية لتطال أيضاً الدول التي تعمل كمركز لمعالجة المواد الخام والتجارة بها، والدول المتقدمة التي تستهلك وتزيد الطلب على الموارد الطبيعية، وجميع الدول التي يتعرض أمنها للتهديدات العابرة للحدود التي تشكلها الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة. وبالإضافة إلى هذه العواقب، يؤدي الاستغلال غير المسؤول للموارد والممارسات غير المستدامة لهذه الجماعات إلى تدهورٍ بيئي يتسبب بدوره في تفاقم أحد أصعب وأخطر التحديات العالمية لهذا العصر، وهو تغير المناخ. فهناك علاقة – بما لا يدع مجالاً للشك – بين الاستغلال غير القانوني للموارد وتغير المناخ وانتشار الإرهاب. ومثلما أفاد الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش هذا المجلس في ديسمبر الماضي، يساهم التدهور البيئي في إتاحة المجال للجماعات المسلحة غير التابعة للدول لبسط نفوذها والتلاعب بالموارد لصالحها، فكما شهدنا في منطقة الساحل، تعاني المناطق الأكثر عرضةً لتغير المناخ من آفة الإرهاب أيضاً.
وننوه هنا إلى استمرار ظهور مؤشرات، في أرجاء أفريقيا وخارجها، تدل على قيام الجماعات الإرهابية العابرة للحدود بتنويع مصادر إيراداتها عبر المشاركة في عمليات الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية وتهريبها، مستغلةً في ذلك عدم وجود تصورٍ كافٍ لدى المجتمع الدولي حول الصلة المتنامية بين الاستخدام غير الشرعي للموارد الطبيعية وتمويل الإرهاب. وفي الوقت الذي أصبحت تستخدم فيه الجماعات الإرهابية المزيد من التقنيات الجديدة والناشئة لتحقيق مآربها، تواجه الأطر التنظيمية الراهنة صعوبة في مواكبة هذه التطورات، الأمر الذي قد يحول دون تحقيقها النتائج المرجوة. لذلك، تدعو دولة الإمارات المجتمع الدولي إلى محاسبة جميع الأفراد والكيانات، والجماعات الإرهابية والشركات وغيرها من الجهات المتواطئة في عمليات الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية. وندعو كذلك إلى عدم التهاون في جهودنا المشتركة للحيلولة دون استخدام إيرادات الموارد الطبيعية لقتل الأبرياء، بما في ذلك النساء والأطفال، وأن نضمن بدلاً من ذلك توظيف هذه الإيرادات لخدمة المجتمعات في أرجاء القارة والنهوض بها وتنميتها ودعم أمنها واستقرارها.
وفضلاً عن كونه التزاماً قانونياً، تؤمن دولة الإمارات بأن العمل الجادّ لمكافحة الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية في أفريقيا يعتبر واجباً أخلاقياً واستثماراً استراتيجياً من شأنه أن يعود بالنفع المباشر على العالم بأسره. وبالنسبة لنا في دولة الإمارات، فقد أكدنا من خلال ترؤسنا لعملية كيمبرلي في عام 2016 على تأييدنا لوجود أطُر تنظيمية قوية، وضرورة التنسيق بين الآليات المختلفة لضمان حماية المجتمعات في أرجاء إفريقيا، وفي مقدمتهم النساء والأطفال. ولهذا، حرصت دولة الإمارات على وضع قوانين وإجراءات تتماشى مع المعايير الدولية لتتصدى للاتجار غير الشرعي في الموارد الطبيعية، وأَسَسَت بنية تحتية تدعم تحقيق تلك الغايات، فضلاً عن استمرارنا في تطوير وتحسين أفضل الممارسات في هذا الجانب.
ومع تأكيدنا مجدداً على الحاجة إلى توطيد التعاون بين الدول، نشدد على ضرورة تطوير استجابة جماعية أقوى لهذا التهديد، وهي ذات الدعوة التي وجهها مجلس الأمن في قراره رقم 2482، والذي أكد على الصلة القائمة بين الجريمة المنظمة والإرهاب، وأقَرَ كذلك بالمكاسب التي تحققها الجماعات الإرهابية عبر الجريمة المنظمة. وبدورها، ستواصل دولة الإمارات العمل مع شركائها الأفارقة لمواجهة الجماعات الإرهابية والشبكات الإجرامية، ومنها تلك التي تقوم بتهريب الأسلحة بين منطقتينا وتساعد جماعات إرهابية، مثل حركة الشباب وميليشيات الحوثي، على بناء ترسانة أسلحة فتاكة.
السيد الرئيس، في سياق مناقشة اليوم، أقترح تعزيز جهودنا في المجالات التالية:
أولاً، علينا الاستمرار في عقد مثل هذه المناقشات ومواصلة النظر في كيفية وضع آليات تتيح إشراك الجهات الرئيسية المعنية في هذه المسألة، ويشمل ذلك المنظمات الدولية والقطاع الخاص. ويمكن هنا الاستفادة من دور الاتحاد الأفريقي وغيره من الجهات الإقليمية الفاعلة التي لديها فهم أفضل للتداعيات المعقدة للقضية المطروحة أمامنا اليوم، الأمر الذي سيمكننا من اتخاذ إجراءات وقائية مشتركة، والانتقال من نهج يعتمد على رد الفعل إلى نهج استباقي.
ثانياً، يجب أن يظل هذا المجلس على أهبة الاستعداد لاستخدام مختلف الأدوات المتاحة لمواجهة الاستغلال غير الشرعي للموارد الطبيعية حين يطال السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك من خلال العقوبات وولايات حفظ السلام.
ثالثاً، هناك حاجة ماسة لبناء قدرات الدول في مجال الإدارة المستدامة لمواردها الطبيعية، وذلك بناءً على طلب من هذه الدول ومع الاحترام الكامل لسيادتها. ولكي تكون استجابة الأمم المتحدة شاملة ومتكاملة، لابد من زيادة الدعم المقدم لبناء قدرات الحكومات، وخاصة تلك التي تتعامل مع نزاعات أو التي تمر بمرحلة ما بعد انتهاء النزاع، وكذلك المجتمعات المتضررة بشكل مباشر.
وفي الختام، أشكركم مرة أخرى، السيد الرئيس، على جهودكم ودوركم القيادي في لفت انتباه المجلس لهذه المسألة، وأؤكد على التزام دولة الإمارات بمواصلة العمل عن كثب مع الأعضاء الآخرين لمعالجة التحديات التي تقف أمام السلام والاستقرار والازدهار في إفريقيا. شكراً لكم».