تلعب الصواريخ المضادة للدبابات، التي زودت بها الولايات المتحدة المقاتلين السوريين أخيراً، دوراً بارزاً على نحو غير متوقع في تحديد شكل ميدان المعركة في سوريا، بما يعطيه شبهاً بحرب الوكالة بين أميركا وروسيا، وذلك على الرغم من إعراب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن رغبته في تجنب خوض معركةٍ في سوريا.
وقد تم تسليم صواريخ «بي جي إم-71 تاو» الموجهة أميركية الصنع بموجب برنامج سري بالتنسيق بين أميركا وحلفائها لمساعدة مجموعات الجيش السوري الحر في حربها ضد الرئيس السوري بشار الأسد. أما الآن وقد دخلت روسيا على خط الحرب دعماً للأسد فإنها تتخذ أهمية أكبر من تلك المحددة لها.
وقد نجحت تلك الصواريخ في تحقيق مكاسب للمقاتلين في شمال غرب سوريا بحيث أطلق عليها هؤلاء صفة «مروّض الأسد» في تلاعب واضح بالكلمات. أما في الأيام الأخيرة فقد استعملت بنجاح كبير، وعرقلت الهجوم المدعوم روسياً الهادف لاستعادة المناطق من المقاتلين.
أخيراً، حين شنت القوات السورية الاعتداء الأول لها مدعومة بقوة الجيش الروسي، بثت عشرات المقاطع المنشورة على موقع «يوتيوب» تصور المقاتلين يطلقون صواريخ أميركية الصنع باتجاه دبابات روسية وآليات مدرعة تابعة للجيش السوري. وكانت تبدو أشبه بكرات ضوء دوارة تشق طريقها المتعرج في قلب مناطق الريف السوري نحو الهدف وتدمره فيصبح كرةً من اللهب.
ويدعي المقاتلون أنهم دمروا 24 دبابة ومدرعة في اليوم الأول، وكرت السبحة في الأيام التالية. وقال النقيب مصطفى مواراتي قائد تجمع العزة، الذي زعم أن مجموعته دمرت سبع دبابات ومدرعات، أخيراً: «لقد كانت مذبحة بحق الدبابات»، مؤكداً أن هناك المزيد. وأشار إلى أن معدات جديدة وصلت عقب الانتشار الروسي، وأن حلفاء المقاتلين قد تعهدوا بتقديم المزيد قريباً،.
وأغرقت الضربات واشنطن في الوضع السوري، إلى حدٍّ يصل لاعتبارها أحد أشكال حرب الوكالة مع موسكو، على الرغم من تشديد أوباما، أخيراً، على: «أننا لن نجعل من سوريا ساحة حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا».
وقال جيف وايت، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي أحصى تدمير أو تعطيل 15 دبابة ومدرعة على الأقل في يوم واحد: «إنها حرب وكالة عرضية، حيث يبدو أنه في حوزة المقاتلين الكثير من الصواريخ الحرارية، وصادف أن النظام هاجمهم بدعم روسي. لا أرى حرب وكالةٍ متعمدة هنا».
وستظل مسألة ما إن كانت الحرب الدائرة ستتحول إلى حرب بالوكالة فعلاً أحد الأسئلة الرئيسية التي تواجه إدارة أوباما عقب القرار الصادر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمدّ نظام الأسد بدعم روسي.
حصل تسليم الصواريخ الحرارية عبر الحدود التركية ممهورة بختم وكالة الاستخبارات الأميركية، وكان القصد منها تحقيق أحد أهداف إدارة أوباما في سوريا القاضية بالتفاوض على إخراج الأسد من السلطة. وهدفت الخطة وفق ما وصفها مسؤولون في الإدارة الأميركية إلى ممارسة ضغوط عسكرية كافية على قوات الأسد لإرغامه على الدخول في تسوية، لكن ليس إلى الحدّ الذي يؤدي إلى إسقاط الحكومة بما يدهور الأوضاع ويترك فراغاً في السلطة في دمشق. وبدلاً من ذلك، شهد الوضع الميداني السوري تدخل القوات العسكرية الروسية دعماً للجيش السوري، في محصلةٍ لم تكن مقصودةٍ أبداً.
وقال عدي شهبندر، أحد المستشارين العاملين سابقاً مع قيادة المعارضة السورية: «يكمن العامل المحرك الأول وراء الحسابات الروسية في الإدراك بأن نظام الأسد كان يضعف عسكرياً، ويواجه خطر خسارة المزيد من المناطق في شمال غرب سوريا.
وقد لعبت صواريخ (بي جي إم-71) الموجهة ضد الدبابات دوراً هائلاً أكبر من المتوقع في هذا الإطار».