|  آخر تحديث سبتمبر 12, 2015 , 21:51 م

« شهداء الإمـارات .. لن ننساكم »


بقلم الكاتب: محمد عبدالمجيد علي

« شهداء الإمـارات .. لن ننساكم »



شيّعت الإمارات شهداءها الأبرار الذين لبوا جميعاً نداء الوطن والقيادة الرشيدة ووقفوا مع محنة اليمن الشقيق ليصدوا مع إخوانهم في التحالف العربي العدوان على الأشقاء في اليمن ويرفعوا الظلم عنهم وعن منطقتهم وأمتهم ويدرؤوا الخطر عن الجميع.. بكل اعتزاز وشجاعة، لقد ضحوا بحياتهم من أجل أن يكون الوطن آمناً ومستقراً، حيث لم تكن المهمة ممكنة دون تضحيات، وليس غريباً أن يتسابق الأبطال إلى الشهادة، وهم بذلك قد كرسوا قيمة التضحية، وبكل بسالة، وأكدوا أنه لا حياة إلا مع كرامة الوطن وأمنه وسلامته، وأن الشهادة في سبيل ذلك الهدف وما يرتبط به من قيم ومبادئ هي أصل الحياة، وصدق عليهم قول الله عز وجل: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه».

لقد كان مشهد تشييع 45 شهيداً من جنود قواتنا المسلحة الباسلة مشهداً مهيباً جلله مزيج من الحزن والفخر، حزن على فقد الأحبة وفخر بما فعله هؤلاء الأبطال الذين أصبحوا اليوم في ذمة الله وذمة التاريخ بعد أن رفعوا رؤوسنا وحملوا راية الوطن عالياً فوق السحاب، إذ استطاعوا بكل حزم الانتصار في مهمتهم وأدوا الأمانة بكل صدق والمهمة بكل شرف وكانوا هم الحصن المنيع الذي أبعد الخطر عن منطقتنا وأمتنا، والذي بدونه كان يمكن لذلك الخطر أن يقترب أكثر فأكثر مهدداً الأمن الوطني والإقليمي.. إنهم بذلك ضربوا أروع الأمثلة على التضحية والعطاء والانتماء والولاء للوطن والقيادة الرشيدة والأمة بأكملها.

الإمارات العربية المتحدة الدولة التي كانت مع العرب في كل مراحلهم، وتمد يد الخير والمساعدة وتقف إلى جانب مبادرات الصلح وجمع الشمل، تتعرض للجحود ممن كان يفترض فيهم الوفاء ورد الدين. كان الشيخ زايد رحمه الله، وبطبعه العربي الأصيل يخاطب العرب ويناشدهم أن يجتمعوا على الخير وأن يتحدوا من أجل مصلحة شعوبهم. وكثيرة هي مبادرات الصلح بين دول عربية كانت دولة الإمارات هي التي تقوم بوساطات الصلح.

كما أن المساعدات إلى اليمن بكل طوائفه ومكوناته كانت مستمرة على الدوام.

وحينما كان التحالف العربي كانت الإمارات الدولة الوفية التي شاركت بفعالية من أجل شعب شقيق يتعرض لمحاولة استلاب حقوقه وتحويله إلى محمية تتبع المرجعية الإيرانية. شعب اليمن الأصيل المعروف بعروبته ومبادئه وأخلاقه يتعرض إلى هجمة من طائفة خالفت كل المواثيق والاتفاقيات وتمادت في التوسع مستندة إلى دعم خارجي. وكانت السعودية وبوقفة الملك سلمان بن عبد العزيز الحازمة، الذي دشن عاصفة الحزم بتحالف عربي ودولي نادر.

وبادرت دولة الإمارات وبقية دول الخليج في المشاركة في تكوين هذا التحالف العربي الذي يعد سابقة في المنطقة، وهم هكذا الخليجيون حينما تمتزج دماؤهم من أجل هدف نبيل هم يعطون رسالة للحاضر والأجيال القادمة أن الخليج مصيره واحد، وأن تحالف الخليجيين وتكتلهم كوحدة واحدة هو الذي يحميهم من التحديات الخارجية.

تجربة دول الخليج في وقفتها التاريخية من أجل تحرير الكويت ملمح لا يغيب عن الذاكرة، حينما تشاركت الجيوش الخليجية مع القوات الدولية في تحالف ضخم من أجل تحرير الكويت وامتزجت دماء الخليجيين على الأرض الكويتية من أجل الوقوف إلى جانب شقيقهم الكويتي، وكان ذلك بالفعل. وسجل القادة الخليجيون موقفا لن ينساه الكويتيون ولا أبناء الخليج. وصناعة التاريخ تحتاج إلى قادة كبار والى شعوب تحمل الأصالة والانتماء.

فالأحداث الكبيرة كما تكشف معادن الرجال فهي تكشف أصالة الشعوب. وشعب الإمارات كان شخصا واحدا وقلبا واحدا حينما استشهد 45 من أبنائه رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته، ورغم صعوبة الجرح وقوة الفاجعة إلا أن الإماراتيين أثبتوا صلابتهم وقوتهم ليس فقط كجيش شجاع وأبطال على حجم المسؤولية، بل كشعب تكاتف ووقف متصبرا مؤمنا بالله ومتعاضدا مع قيادته، واندفع بالألوف إلى المستشفيات للتبرع بالدم.

لن ينسى الخليجيون هؤلاء الشهداء فهم شامة عز في جبين الخليج، وهم لهم في قلب كل خليجي بصمة. نعم الفراق صعب والشهداء من خيرة الشباب، لكنهم لم يموتوا بل أحياء عند ربهم يرزقون. وعبر التاريخ الأبطال هم الذين يصنعون تاريخ بلادهم ومن يراجع التاريخ يجد أن البطولات التي ينسجها هؤلاء الشرفاء هي التي تحمي بلادهم وعرضهم وكرامتهم، بل وتغير مسارها التاريخي ومصير وجودها. فالدماء الخليجية امتزجت في يوم تاريخي، فعشرة شهداء من السعودية وخمسة من البحرين رحمهم الله جميعا. كلهم كانوا على قلب واحد ولهدف نبيل من أجل نصرة إخوانهم اليمنيين. هؤلاء الشهداء هم من يصنعون عزتنا وكرامتنا. ويعطون رسالة بأرواحهم لكل المتربصين الذي يخططون من أجل الاعتداء على بلداننا. هؤلاء الذين كانوا ينظرون للشعوب الخليجية على أنها شعوب مرفهة وغير قادرة على مواجهة الحروب، جعلتهم الآن يعيدون حساباتهم، فالخليجيون سيفدون بأرواحهم مهما كانت التضحيات من أجل حماية بلادهم وشرفهم. ويخطئ من يتصور أن فاجعة استشهاد هؤلاء الأبطال سوف تضعف أو تحبط من معنويات وإرادة الخليجيين، بل بالعكس من شاهد أهاليهم وزملاءهم في القوات العسكرية وكلهم إيمان قوي بالله، ثم ثقة في أنفسهم وفي قياداتهم، وهم يعبرون عن رغبتهم في المشاركة في القتال. هذه الحادثة كانت ملحمة وطنية تقول باختصار أننا أقوياء بالله أولاً ثم بأبنائنا.

العالم يحترم القوي، ومن كان يعتقد أن دول الخليج سوف تبقى تنتظر مبادرات من الدول العظمى خاب ظنه، لأنهم هم من قادوا المبادرة بأنفسهم، وهذا ما جعل عواصم العالم تحترم القرار الخليجي وتنظر باحترام لتكتل الخليجيين وتعاضدهم ووقفتهم الواحدة.

هؤلاء الشهداء الأبطال هم ممن يجب أن نفتخر بهم وتفتخر بهم الأمم ويخلدهم التاريخ، إنهم مَن يصنعون التاريخ، ويشعلون مناراته، إنهم مَن يغيرون حركة مسار التاريخ لمصلحة الوطن والأمة، إنهم مَن يموتون وهم واقفون، فتمتد منهم على الفور جذور تسافر عميقاً في باطن الأرض لتروي بدمائهم ترابها الطاهر وتشكل القوة الحقيقية التي تحتاجها الأمة في أوقات المحن والأزمات.

إن شعار ضرورة استكمال الطريق الذي ضحى الشهداء من قواتنا المسلحة الباسلة من أجله بأرواحهم لتحقيق أهداف الوطن والأمة، يجب أن يكتمل تطبيقاً على الأرض، فموقف الإمارات منذ عهد مؤسس الاتحاد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، موقف ثابت وراسخ في مد يد العون والمساعدة المادية والمعنوية على اختلاف أشكالها إلى الأشقاء من الدول العربية والإسلامية. كان ذلك في لبنان والصومال وأفغانستان والكثير من الدول العربية والإسلامية الأخرى.

لن ننساهم. سوف يبقى كل شهيد اسماً محفوراً في الذاكرة. وربما في الأزمات تأتي الفرص. فهذه رسالة أن مصير الخليج واحد وأن لا مستقبل لنا إلا أن نكون كتلة واحدة على قلب واحد. رحم الله الشهداء فهم غادروا ولكنهم منحونا الثقة في انفسنا، ووضعوا علينا مسؤولية بأن نرتقي في فعلنا وأهدافنا وتعاوننا إلى حيثما تكون مرتبة الروح، أي أنهم أرخوا لنا هذا التاريخ، والمسؤولية هي علينا جميعاً.

هؤلاء هم الرجال الأبطال الذين أضاءوا لنا التاريخ، هؤلاء هم ممن يجب أن نفتخر بهم ونضعهم تاجاً فوق رؤوسنا ونطلب من الله العلي القدير أن يرحمهم ويغفر لهم ويدخلهم جنات الخلد، فالشهادة في سبيل الله هبة ومنحة من الله لا يعطيها الله جل جلاله إلا لمن أحب.

 

بقلم الكاتب: محمد عبدالمجيد علي – ( مصر )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com