يبدو أن التحالف الدولي المضاد لتنظيم «داعش» قد وجه اهتمامه أخيراً إلى الجبهة السورية في القتال ضد هذا التنظيم المتطرف، وقد انضمت تركيا إلى الحملة الجوية التي يشنها التحالف ضد التنظيم أخيراً، وأجبرت عمليات القصف داخل سوريا مقاتلي التنظيم على الهرب من مدينة تل الأبيض الواقعة إلى الشمال من الرقة، وهي هزيمة يعتد بها تلحق بهذا التنظيم.
ويبدو أيضاً أن الاستعدادات من جانب القوى الأجنبية المختلفة المؤيدة للثوار السوريين لبرنامج التدريب الذي تقوده الولايات المتحدة للثوار المعتدلين تدخل مراحلها الأخيرة، وأفادت تقارير حديثة أن القوات البريطانية في طريقها إلى السعودية لتدريب الثوار السوريين، وهي خطة تشمل تركيا والأردن والسعودية ودولاً أخرى لتوفير المدربين، وقد أوشكت على الاكتمال.
ويبدو أن الكثير يحدث وراء الكواليس، فيما يتعلق بالطريقة التي يفكر فيها التحالف الدولي بشأن تنظيم داعش، وقد زاد ذلك من الاهتمام بالجبهة السورية، وهو ما يشكل تطورا سيئا من منظور داعش، إذا عرفت الدول المشاركة في التحالف كيف تستغل المزايا المتاحة لها.
غير أنه إذا واصل التحالف الانقسام حول الأولويات الأساسية فإن هذا الجهد قد يأتي بنتائج عكسية، وهناك مثال جيد على ذلك هو حملة تركيا الجوية الأخيرة، التي تركزت فيما يبدو على قصف المقاتلين الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني، وليس على مقاتلي داعش. وقد أشار تصريح أدلى به بريت ماكغورج المندوب الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد داعش إلى أن هذا لم يكن ما اتفق عليه كل من واشنطن وأنقرة، حيث قال: ليست هناك صلة بين هذه الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني والتفاهمات الأخيرة على تعزيز التعاون التركي ضد داعش.
ليست هذه بالبداية الطيبة، فالدول المختلفة في المعسكر المضاد لداعش لها أولويات مختلفة، وبالنسبة لتركيا فإن هزيمة داعش تظل أولوية أقل تقدما من منع أكراد سوريا من تكريس البنية التحتية لدولة مستقبلية في الشمال وإسقاط نظام الرئيس الأسد، ولا يحتمل أن تغير أنقرة أولوياتها بالنسبة لداعش ما لم يكن هناك تفاهم حول هذه القضايا الأخرى، وكذلك فإن الغرب أكثر اهتماما بمقاتلة داعش من التصدي لنظام الأسد، ولكنه يتطلب مساعدة المقاتلين السوريين الذين لديهم أولويات معاكسة.
مع مثل هذا التحالف المنقسم على نفسه، من الذي يحتاج إلى أعداء؟ لسوف يواصل داعش حصاد الفوائد ذات الأولويات المختلفة إلى أن تتفق الأطراف على العمل باتجاه هدف واحد في ظل استراتيجية واحدة. وهذا أمر ممكن، وهو يبدأ في حلب. على امتداد الأشهر القليلة الماضية، تراكمت قوة دفع بين الثوار السوريين لقتال تنظيم داعش، وللمرة الأولى منذ تشكيل المجلس الإسلامي السوري في أوائل 2014، أصدر في يونيو الماضي فتوى بقتال داعش، وفي الشهر نفسه، التقى تحالف كبير من الثوار على الأرض في انطاكية، وتوصل إلى أن قتال داعش يعد أولوية لكل الثوار، بل إن قائد جبهة النصرة أوضح أن داعش عدو، وذلك في مقابلة شهيرة أجريت معه.
وفي تطور لاحق، اشتركت جماعتان كان يعتقد أنهما قريبتان من داعش سرا في القتال في درعا وإدلب.
إن ما يمنع حربا شاملة بين الثوار وتنظيم داعش مماثلة للاشتباكات التي جرت في أوائل 2014، والتي أفضت إلى هزيمة التنظيم في إدلب وفي جانب كبير من حلب، هو أن الجانبين يميلان إلى العمل في مناطق مختلفة، وعلى الرغم من أن الثوار يعتبرون القتال ضد الأسد أولية، فإنهم ينظرون إلى داعش ايضا باعتباره تهديدا، وقد تحركوا بشكل مسبق للقضاء على خلايا داعش في العديد من المناطق في جنوب سوريا، وردوا على أعقابه هجوما شنه التنظيم في ريف شمالي حلب خلال الشهر المنصرم.
وأفضل أمل للتحالف الدولي ضد داعش هو أن يحصل الثوار على الضروريات اللوجستية اللازمة للحشد ضد داعش، الأمر الذي يمكن أن يحدث فحسب إذا واجه الثوار التنظيم وجها لوجه، وهذا السيناريو يمكن تحقيقه إذا سيطر الثوار على حلب وواجهوا داعش في منبج والباب، وهما معقلان رئيسيان من معاقل التنظيم المتطرف. وما لم يقرر مؤيدو المعارضة الأجانب تمكين الثوار من الاندفاع بجدية ضد نظام الأسد في حلب، فإن القتال ضد داعش في سوريا لن يفضي إلى شيء.
هذا السيناريو يمكن أن يخاطب مخاوف الكثير من الدول المختلفة في التحالف المضاد لداعش، بما في ذلك الدول التي تخشى الانهيار المفاجئ لنظام الأسد، وربما تؤدي السيطرة على حلب إلى تغيير ديناميات الصراع بشكل دراماتيكي. ولكنها لن تؤثر بالضرورة على مصير النظام، ويمكن أن تساعد الثوار في توجيه ضربة قوية إلى داعش، دون أن تلحق الضرر بشكل كبير بالنظام.