نشرت مجلة The Diplomat الأمريكية مقالاً كتبه جيسي ماركس وسالفاتور بورجونيون حول المملكة الأردنية الهاشمية.
ويقول الكاتبان في مقالهما الذي ترجمته “شرق وغرب”: تُعتبر المملكة الأردنية الهاشمية جزيرة راسخة مستقرة وسط منطقة مغمورة بالصراع، وأصبحت محوراً إقليمياً للأمن والتنمية والجهود الإنسانية وجهود إعادة الإعمار في الدول المجاورة، وأدى هذا الوضع إلى تعزيز الاستثمار المالي في الأردن من أجل حماية هذا البلد الصغير من التهديدات والمخاطر الكثيرة في المنطقة. ولتحقيق هذه الغاية عزَّزَت الولايات المتحدة الدعم المالي للمملكة لعام 2018، وتعهدت بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية تبلغ قيمتها الإجمالية 6.3 مليار دولار على مدى الخمس سنوات المقبلة، ولكن بالرغم من أن شراكتها طويلة الأمد مع الأردن قد أعطت الولايات المتحدة موقعاً جيوستراتيجياً جيداً من الناحية الدبلوماسية والعسكرية، إلا أن الولايات المتحدة تواجه منافسة متزايدة مع الصين كونها تكثّف تأثيرها ووجودها في المملكة بسرعة.
ويضيف الكاتبان: هناك الكثير من المبادرات الهادفة إلى تكثيف استثمارات الصين في الخليج العربي وإفريقيا وأوراسيا، وأصبحت بلاد الشام محوراً انتقالياً هاماً لمشاريع الطاقة والموارد الصينية ضمن مبادرتها «الحِزام والطرِيق». وبينما تتطلع الصين إلى سورية باعتبارها مفترق طرق رئيسي يربط بين مختلف نقاط المشروع على المدى الطويل، إلا أن بكين تتجه نحو الأردن على المدى القصير كونها توفر بيئة آمنة ومستقرة نسبياً. وبالنظر إلى أن استثمارات الصين واسعة النطاق في الأردن جاهزة للتنفيذ، فمن الواضح أن الصين تأمل في تجهيز المملكة لتكون بمثابة البوابة أو الدعامة الرئيسية لتوسعة «مبادرة الحِزام والطرِيق» في بلاد الشام وكذلك لتكون المملكة مركزاً لجهود إعادة الإعمار في سوريا.
يواصل الكاتبان: علَّقَ مسؤول من السفارة الصينية في الأردن في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا) قائلاً إن المفاوضات بين المملكة والصين حول مذكرات مذكرة التعاون بشأن «مبادرة الحِزام والطرِيق» جارية حالياً، مما يشير إلى أن الأردن قد يكون قريباً من الانضمام رسمياً إلى «مبادرة الحِزام والطرِيق». تعززت الشراكات الصينية الأردنية منذ عام 2015، وذلك عندما انضم الأردن كعضو مؤسس إلى «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» المؤسَّس حديثاً، والذي يعتبر آلية مهمة لتمويل «مبادرة الحِزام والطرِيق» وغيرها من المشاريع. ومنذ ذلك الحين، وسَّع «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» نطاقه إقليمياً من خلال شراكة موقعة حديثاً مع «البنك الإسلامي للتنمية» والذي يستضيف 57 عضو من الدول الأعضاء.
ويتابع الكاتبان: ما زالت الصين تواصل تحقيق نجاحات وتقدم كبير في الأردن من خلال استغلال الاستثمارات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والطاقة كآليات لبناء الدعم الشعبي بين الأردنيين. وقعَّت الأردن والصين عام 2015 على اتفاقيات استثمار تقدر قيمتها بأكثر من 7 مليارات دولار لتعزيز قطاعات النقل والطاقة والتجارة في المملكة، بما في ذلك استثمار ما يقدر بنحو 2.2 مليار دولار لمحطة توليد الطاقة من الصخر الزيتي والتي ستلبي حوالي 15٪ من احتياجات الأردن من الطاقة، وسكة حديد محلية بقيمة 2.8 مليار دولار، ومحطة طاقة متجددة بقيمة 1 مليار دولار. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2017 أكثر من 3.8 مليار دولار، أي ازداد التبادل التجاري بنسبة 32%. ولا تقتصر استثمارات الصين على الطاقة والتجارة فقط، حيث أعلن المسؤولون الصينيون في عام 2018 عن خطط لبناء «مركز طريق الحرير البحري لمنتجات مقاطعة فوجان الصينية» بالشراكة مع وزارة النقل الأردنية وبناء جامعة أردنية صينية في عمان بهدف تعزيز دور الأردن في «مبادرة الحِزام والطرِيق».
ويرى الكاتبان انه من الصعب تقدير النتائج الأولية للاستثمارات الصينية في الأردن على المدى القصير، ولكن من المتوقع زيادة إنتاج الطاقة المحلية وتعزيز الأسواق الجديدة للسلع الأردنية على المدى المتوسط والبعيد، وهذه حوافز قوية للأردن للترحيب بالشركات الصينية. وعلاوة على ذلك خلصت دراسة نشرتها صحيفة «جوردان تايمز» بأن الأردن ثاني أكثر المواقع المرغوبة من بعد مصر للتوسع الإقليمي للشركات الصينية التي مقراتها في كل من السعودية والإمارات. إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للأردن باعتباره وسيلة للربط بين الاستثمارات الصينية في الخليج العربي وإفريقيا يجعلها مدخلاً مهماً لمنطقة بلاد الشام. ووفقاً لسفير جمهورية الصين الشعبية في الأردن تهدف التطورات الدبلوماسية والاقتصادية التي حققتها الصين في الأردن إلى ترسيخ المملكة كأساس لجهود إعادة الإعمار في سوريا.
ويشير الكاتبان الى انه على نطاق أوسع، سيستفيد الشرق الأوسط من الاستثمارات الاقتصادية والبنية التحتية الصينية المتزايدة ومشاركتها السياسية، وأصبحت الصين في يومنا هذا مصدراً للمشاريع الاستثمارية والاستشارات والبنى التحتية لمنطقة الشرق الأوسط وأهم شريك تجاري في العديد من البلدان كالبحرين ومصر وإيران والسعودية. وهناك تعاون ومصالح مشتركة بين جميع الأطراف، فالشرق الأوسط يمتلك الموارد الوفيرة وبحاجة متزايدة للتنمية، في حين تسعى بكين إلى كسب حصة إضافية في السوق لاستراتيجيتها التنموية القائمة على البنية التحتية، وتعزيز الاستقرار والسلام من خلال استثماراتها وضمان إمكانية وصول مضمونة إلى موارد الطاقة.
ويلفت الكاتبان الى انه من ناحية ستبقى الصين أهم شركة رائدة على مستوى عالمي في مجال الاستثمار في البنية التحتية، وبالتالي تحتاج إلى إقامة شراكات إضافية للحفاظ على الإطار الذي تحقق من خلاله النمو الاقتصادي السريع. ولكن من ناحية أخرى تعتمد الصين على علاقات جديدة غير نموذجيَّة للحفاظ على استهلاكها للطاقة مع الحفاظ أيضاً على ثبات قيمتها السوقية والتي تبلغ 6.5٪ من إجمالي الناتج المحلي. تفوَّقت الصين في عام 2014 على الولايات المتحدة لتصبح مستورداً رائداً للنفط والغاز الطبيعي في العالم، حيث استوردت أكثر من نصف نفطها الخام وثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي من دول الشرق الأوسط.
ويواصل الكاتبان: فيما يتعلق بالآثار الأوسع للاستثمارات الصينية على المنطقة والولايات المتحدة، من المرجح ألا تعكس المشاركة الصينية الاقتصادية المتنامية سياستها لتجنب الصراع في المنطقة، ولكن مع تضاؤل رغبة الولايات المتحدة لواردات النفط الخام وتراجع مشاركتها العسكرية النشطة في المنطقة قد تضطر الصين إلى تحمل مسؤولية أكبر وخاصة فيما يتعلق بتأمين طرق التجارة والطاقة البرية والبحرية الهامة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا الأمر قد يعود عليها بفوائد إيجابية، حيث يمكن أن تكون بكين ركيزة للاستقرار في المنطقة وتقاسمها العبء بفعالية. وتعتبر الأردن خياراً موفقاً على وجه الخصوص كونها مملكة مستقرة، وهذا يعني موقف إقليمي قوي لكلا القوتين وكذلك فرص أكبر للأمن والتعاون الاقتصادي.
ويشير الكاتبان الى ان هذا التقارب الثنائي في المصالح الأمريكية والصينية يخلق نظاماً تعاونياً سياسياً واقتصادياً حيث تساهم فيه الولايات المتحدة والصين في الاستقرار من خلال أدوار منفصلة تندرج تحت إطار أولويات سياستهما الخارجية لتصب في مصلحة الطرفين.
ويضيف الكاتبان: تستثمر الولايات المتحدة في الدفاع والاقتصاد، في حين تستثمر الصين في الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية، وبالتالي ستستفيد الصين من ضمانات الأمن والاستقرار التي توفرها الولايات المتحدة في الأردن، كما يضاعف الرئيس ترامب الدعم الأمريكي للمملكة من أجل إبعاد مخاطر المنطقة واستخدام أراضي الأردن لتنظيم وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، فإن مثل هذه الفعاليات ستتيح للصين إمكانية الحفاظ على سياستها المستمرة منذ عقود والتي تتمثل في تقليل مشاركتها السياسية والعسكرية في المنطقة قدر الإمكان، وفي الوقت نفسه تمكنها من الحصول على حصة سوقية في أسواق المنطقة الواسعة. وكذلك ستستفيد الولايات المتحدة من خلال الحفاظ على موقعها العسكري الاستراتيجي لتنظيم عمليات مكافحة الإرهاب ودعم أمن الحلفاء الإقليميين بينما تتصدى الصين لمشاكل الوضع الاقتصادي والطاقة في الأردن.