أمـا آن َ للإنسـان ِ يا تُرى وهو َ في منتصف ِ المطاف ِ ومُستهل ِّ الإنعطافات وفي عمق الأسى؛ أن يتوانى عن المكابرَة ِ قليلاً وأن يأبى لنفسه ِ الذُل َّ والمنفَـى؟!
أمَـا آن للورد ِ بأن يُزهـر في روحه ِ رغمـاً عن كل ّ ما يقتلها ويسلب منها حب العيش وحق الإستمرارية في هذه الحياة الدنيا؟!
أمَـا آن َ للإنسان ِ بأن َ يعلم َ حقّـاً ما هو َ الإنسـان وما هي ماهيته ؟!
أليس َ من حق ِّ الروح ِ بأن تحيا حياة الكرامة ِ والنِعم ِ الفُضلَى ؟!
أمـا آن الوقت ُ لأن يفقه ُ الإنسان ُ حقيقته ُ، ذاته ُ وكيانه!!
أليس َ من حقِّ الإنسان الإتزان ؟! أم أنه ُ واجب ٌ تناساه ُ عن قصد ٍ يا تُرى ؟!
على أيّـة حال وإن لم تعد هنالك فائدة من السؤال أبداً !!
فليعلم الإنسـان بأنه ُ وما يحتويه وما يظنُّ نفسه فاعله ُ أو مخفيه عن نفسه ِ قبل الملأ بأن رب َّ الملأ يعلمه ُ ويُحصيه كل ٍّ في كتاب ِ عمره ِ وصحيفة أعماله التي ستلقاه ويلقاها عاجلاً غير َ آجل ٍفيما بعد َ الحياة الدنيا؛ بعد َ أن يكون َ وقته ُ فيها قد انتهى!! أي بعدَ أن تُملأَ بما قدّم وعمل َ وانشغل َ في دنياه وما اليه سعى، وبعُمره ِ بكل ِّ ما فيه أفناه ُ وانتهى!!
نعم، فليعلم هذا الإنسان الضعيف بأنه مهما اعتلا أو صغُر؛ أو تكبّـر أو اندثَـر ؛ بأنه ُفي نهاية المطاف ِ وإن طال َ به ِ المطاف ُ أو قصُر إنسان ٌ من وقت ٍ وأيام ٍ ودقائق وإن طالت لبضع سنين!! سنين َ معدودات ٍ لا يطاولها البقاء ُ والوجود!! سنين ٌ كُلِلت بالفناء لا بالخلود ، سنين ٌ ظاهرها طويل وباطنها قصير!! قصير ٌ لدرجة أنه لا يحتمل ُ زيادة أي شهيق ٍ أو زفير أو حتّى جرعة َ ماء ٍ أُخرى لم يُكتب للإنسان بها نصيب، قصير ٌ لدرجة أنه في أي لحظة قد يضيق على الروح في جوفهِ فلا يتّسع لها بقِصَـرِه ِ فتخرُج منه منهيَـة ً ذلك الإنسان؛ وبعبارَة ٍ أصح ذلك الوقت من الزمان الذي مُنِح َ له ليكون َ إنسان!!
لا بد َّ بأن يتفهَّم َ ذلك الإنسان ُ الذي نسي َ الثرَى ، وما سيؤول إليه في نهاية كل ِّ الطرق التي إليها آوى وبها يوماً احتمى بأن َّ مسألته ُ ليست بمعقدَّة ٍ أبداً؛ فما هي َ الا وقت ٌ به ِ ابتدأ وبنهايته ِ سيموت ويفنى، فمن تعقّل واهتدى كسب ذلك الوقت الذي مُنِـح َ له ليهتدي به وينوب َ وينأى عن الظلم والشر وفعل السيئات والمُنكرات، مُقْصِرات ِ العُمر ِ والحياة، مُضنكات ُ الأيام والساعات، مُهلكات ِ ذات الروح والفؤاد ِ ومُخزيات ِ خواتيم العمر ِ والممات.
لا بُد َّ بأن يتعقّل الإنسان وقبل فوات الأوان وانقضاء الوقت ِ في كل أمر ٍ لا يُسمن ُ ولا يُغني روح الإنسان من الحسنات وحُسن الأعمال، لا بد َّ من التراجع ِ خطوة ً إلى الوراء بل وخطوات، لا بُد َّ من نجاة ٍ في الدنيا تُنجي عما في الآخرة ِ من عتاب ٍ وحساب وسؤال، لا بُد َّ من تراجع ٍ يعدل به صاحبه إلى طريق الهداية والصواب .
نعم، قد يسلك الإنسان منعطف َ الهلاك ِ يوماً، قد تزوغ ُ عيناه وقد لا يرى لائحة التحذير من خطأ الوقوع في حفر المعاصي والآثام ، قد يضعف ُ لحظة ً وقد يتوانى عن الحق ِّ مرّة ً أو مرتين أو ثلاث .. ولكن لا بد َّ دوماً من عودة!! لا بُد َّ من رجوع يُعيد إلى روحه عصب الحياة الذي به لا يشقى وإن فني َ ذهب َ به ِ إلى ما هو خير من الدنيا وما فيها!!
نعم لا بد َّ من خير ٍ يُنير َ عتمة البؤس والشقاء، لا بد من حب ٍّ للإله يملأ وحدة َ العمر إلى حين الفناء إلى حين اللقاء في دار الآخرة والنقاء .. الا يا أيّها الإنسان تعقّل وسخّر ما بقي َ لديك َ من وقت ٍ لمرضاة الإله، تعقّل بأن الوقت وإن يمضي فهو َ لا يمضي تخفيفاً عنك وإنما آخذ ٌ منك َ لتمضي َ أنت، تعقّل بأن باب الله مفتوح ٌ دوماً للتوبة والإنابة عمّا يُضنك العمر َ والروح في هذه الحياة، وتذكّر وإن غرقت َ يوماً بأن الله وحدَة! الله وحدَة فقط من يملك طوق النجاة، من إذا سألتَه ُ النجاة َ قبل فوات الأوان لطف َ بك وأنجاك إذ تعقّلت حقيقة أنّك لست الا إنسان، إنسان ٌ من وقت ٍ ذا مدَّة ٍ محددة رُسمت على خط الزمان.