أسبوع واحد على مجزرة حلب التى ارتكبها النظام السورى بحق الإنسانية كلها، ولم يستيقظ الضمير العالمى، ويبدو أنه لن يستفيق من غيبوبته قريبا، طالما بقيت لعبة المصالح الدولية قائمة ومستمرة بين القوى الدولية الكبرى، التى تتحكم فى بوصلة الصراع العالمى، ولا يهمها إهدار دم أبرياء فى حلب أو فى أى مدينة عربية أخرى، فالدم العربى المسلم ليس له عند هؤلاء قيمة ولا ثمن. وكأنه مكتوب علينا أن نكتب بين الحين والآخر عن مجزرة فى بلادنا.. مجازر فى غزة على أيدى المجرمين الصهاينة.. وأخرى فى مضايا على أيدى مجرم سوريا وجنوده.. واليوم عن حلب التى كشفت تواطؤ العالم علينا.
إجرام غير مسبوق.. ضرب المستشفيات ومستودعات الأدوية ودك المساجد، وتحويل المساكن إلى حطام.. هزتنى صور الضحايا من الأطفال والنساء.. الصدمة والذهول على وجوه الأحياء الذين نجوا من الموت ووقفوا أمام جثث ذويهم وهم لا يصدقون ما يحدث.. وقفت أمام صرخة طفل وهو يقف على جثة شقيقه وجده يربط على كتفيه وهو فى شرود.. وصورة أخرى نشرتها احدي الصحف العربية لجثة طفل تخرج من حطام المنازل.. وصورة ثالثة لرجل يحتضن طفلته وسط القصف وهو يسلم أمره إلى الله والطفلة تنظر إلى ما يحدث وسط رعب مما هو آت.. لقد فضحت هذه الصور القوى العظمى التى خططت ودبرت لهذه المجازر.. تلك القوى التى ترقص على جماجم موتانا وتستمتع بمشهد الدماء التى تسيل والجثث التى تتناثر والخراب الذى كان. لقد خططت الولايات المتحدة للشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة وكانت هذه هى البداية.. مجازر وخراب ودمار فى سوريا وفوضى فى ليبيا ومعارك فى اليمن ومأساة فى العراق.
الكارثة الأكبر أن النظام الدولى الذي تتحكم فيه واشنطن وموسكو وفقًا لمصالح الولايات المتحدة وروسيا فى المنطقة، يترك القضية الأساسية، وهى دموية نظام بشار الأسد وعصابته الحاكمة، ويغض الطرف عما يراه من مذابح ومجازر مدعومة بتأييد روسي وإيرانى، ويعلق الأسباب على شماعة هشة وغير منطقية، وهى عدم التوصل إلى اتفاق بين نظام بشار والمعارضة، وهو ما يعنى موافقته ضمنيا على بقاء هذا النظام الدموى فى الحكم رغم ما يمارسه من ذبح وقمع وقهر للشعب السورى.
تكالبت قوى الشر على سوريا.. الأمريكان خططوا والروس نفذوا والصهاينة أول المستفيدين.. وسوريا الأهل والبلد هم الضحايا والمكلومون.. الغريب أن قوى الشر تسير فى مخططها بلا هوادة.. فهم لا يعرفون الرحمة ولا الإنسانية ولا يحركهم ضمير ولا قيم. تصريحات استفزازية من الولايات المتحدة تقول: أن هناك اتصالات مع روسيا لتخفيف وتيرة الضرب.. يعنى الإبادة تكون بإيقاع أبطأ مما يحدث الآن.. والجانب الروسى يرد بأنه لايوجد أمل فى أى هدنة ولا تهدئة.. إجرام غير مسبوق.
وكالعادة خرج سدنة الطاغية ورجاله بتصريحات لا ينطق بها إلا العاملون فى البَغَاء.. فعندما يخرج مفتى سوريا ليبرر للمجرم بشار ما يفعله فهذا بغاء وعندما تخرج عاهرة تشمت فى شهداء حلب فى الوقت الذى انتفض فيه العالم من كل مكان يدافع عن الضحايا فإن هذا هو البغاء بعينه.
وما زال النظام الدولى الجديد يتناسى، مسؤوليته أيضا عن تفتيت العراق، ثم تفتيت ليبيا وسوريا الآن، وقبلهما المحاولات الفاشلة لتفتيت اليمن، لولا التدخل السعودى والخليجي فى الوقت المناسب، لإنقاذ الشعب اليمنى الشقيق من براثن هذه اللعبة الدولية القذرة، التى تضرب من خلالها القوى العالمية الشعوب العربية والإسلامية من تحت الحزام، عبر بعض حكام لم يستوعبوا بعدُ أهداف هذه اللعبة، التى ستنتهى حتما بخروجهم، موتا أو سجنا أو حتى نفيا أو إبعادًا من السلطة عندما يقول الشعب كلمته فى الوقت المناسب، حيث لن يكون هناك أى فرصة للتفاوض أو قبول استمرار أى طاغية أو ظالم يبيد شعبه، أطفالا ونساء ورجالا، من أجل الاستمرار فى الحكم. ويبقى السؤال الحائر دون إجابة: لماذا كل هذا الصمت العالمى؟ وإلى متى تستمر لعبة بقاء بشار أو رحيله هى المفصل أو المحك الرئيس لإيقاف مذابح الدم فى سوريا؟ ولمصلحة من يتم قتل أطفال حلب، وإبادة زرعها ونسلها فيما يبقى السفاح مستمرا يمارس جرائمه يوميا دون رادعٍ أو وازعٍ من أى دين عرفته البشرية؟
لقد سبقت المملكة العربية السعودية العالم كله عندما حذرت من تكرار هذه المذابح؛ ليس فى حلب فقط وإنما فى كل مدن وريف سوريا، ومع ذلك لم يتحرك العالم، وسعت السعودية بكل ما تملكه من علاقات دولية ومكانة إقليمية إلى حقن الدم العربى فى سوريا، وطالبت بتمكين الشعب السورى من إدارة شؤون بلاده بعد تنحى بشار عن الحكم، ولكن لا أذن تسمع ولا ضمير يتحرك، فيما تمضى المفاوضات والاجتماعات بين المعارضة ونظام بشار الأرعن إلى طريق مسدود، وتستمر المذابح التى تستهدف فى المقام الأول تفريغ كل المدن السورية من معارضى النظام، إما بالقصف العشوائى وإما ببراميل السلاح الكيماوى وإما بالتهجير الاجبارى إلى دول أوربا ومناطق الحدود، فى مآساة عالمية يندى لها الجبين.
حلب اليوم تستغيث منذرة ومحذرة وهي ترى جيوش الظلام تحيطها وتنقض عليها لتدميرها، ميليشيات الإرهاب وشبيحة الطغاة يعملون لإسقاط حلب وتقتيل أهلها كما فعلوا بغيرها، ولا يزال العالم يبحث ويدرس ويجتمع حتى يكتمل مسلسل التدمير، والعمل على الأرض يجري على قدم وساق لتمكين الأسد وميليشيات حزب الله الإرهابية بأخذ أكبر حصة للتفاوض في جنيف من موقع أقوى؛ فلن يجدوا نظاما يحقق أهدافهم، ويخدم أمن إسرائيل كهذا النظام الذي باع شعبه ووطنه في سبيل المحافظة على كرسيه، واستعان بالمجرمين لتقتيل شعبه وقدم نساءه لهم مكافأة على إجرامهم بحق شعبه فماذا تنتظرون منه.
إنه من العار حقا أن يظل الضمير العالمى هكذا ميتا، فيما يسفك السفاح الدماء دون عقاب، مدعوما بطائرات الروس ودبابات إيران، دون أن يفكر لحظة فى العدو الصهيونى المرابط للشعب السورى فى الجولان، على بعد كيلومترات قليلة من قصر حاكم يستأسد على شعبه فقط، ولا يهمه أن هناك أكثر من 250 ألف سورى قتلوا فى أنهار دم أراقها، ودفعوا ثمن حبه وتعطشه للسلطة وتمسكه بكرسى الحكم، وموت ضميره الإنسانى.
لك الله ياحلب.. وليعلم الطاغية بشار الأسد أن عدالة السماء لاريب فيها وأننا سنرى فيه يوما فى الحياة قبل الممات.