|  آخر تحديث أغسطس 21, 2024 , 15:23 م

هل أدعها تذهبُ بين الناس؟!


هل أدعها تذهبُ بين الناس؟!



 

عبد العزيز محمود المصطفى – كاتب وأكاديمي

 

 

حبا الله اللغة العربية خصائص ومزايا فاقت سواها من لغات الكون مجتمعة؛ حيث تنوعت معانيها ومفرداتها، الأمر الذي جعلها تاجًا على عرش باقي اللغات.

فاللغةُ أي لغة كانت هي الأساس لبقاء الأمة وصمودها، كما أنها الصورة الجامعة لكل أطياف المجتمع، فاللغة معها تبقى الأمة أو تندثر ولا تدوم!!.

هذه كلماتٌ بسيطةٌ أمهدُ من خلالها لموضوعٍ جدُ مهمٍ، أتناولُ فيه فكرةَ يومِ اللغةِ العربية.

وهنا أكتبُ كمثقفٍ متابعٍ، وشاهدٍ ومشاركٍ في بعضِ الأمورِ التي جرت منذ العام/2006م/ وهو العام الذي وُلدت فيه هذه الفكرة.

ففي العام /2008م/ وكنتُ طالبَ لغة عربية في الجامعة، التقيتُ بالأستاذ الدكتور جورج جبور – أمدّه الله بموفور صحةٍ وقد تجاوز الآن الثمانين – في منزله وقتذاك بدمشقَ، وحملّني – مشكورًا – بنهايةِ الزيارة كرّاسًا طبعته (دار الفكر) برعاية اتحاد كُتّاب العرب بـ(دمشق).

وكان عبارةً عن محاضرةٍ للدكتور(جبور) أقيمت عام/2006م/ في رحاب (جامعة حلب) وأعاد معظم أفكارها في محاضرة مكتوبة، ألقيت في اتحاد الكُتّاب العرب بـ(دمشق)، عام/2008م/ وبها مطالبة بيومٍ للّغة العربية، يُستحسن أن يكون يوم نزلت من السماء “اقرأ”.

وقد راقتْ لي الفكرةُ – وأنا الشّابُ المندفع للكتابة والثقافة حينذاك- فكتبتُ مقالةً في جريدةِ تشرين السّورية بتاريخ/6/12/2008م/ وكانت بعنوان “هل من يومٍ للغة العربية؟” تحدثتُ فيها عن خصائصِ لغتنا، وما حباها الله من مزايا، وأشرتُ لتقارير (اليونسكو) حول اللغات في العالم، والمخاطر التي تحيط ببعضها من انقراضٍ واندثار..

ورجوتُ مناشدًا بأن تُعتمد فكرةُ الأستاذ الدكتور (جورج جبور) بجعل يوم اللغة العربية هو اليوم الذي نزلت فيه أول آية على الرسول العربي صلى الله عليه وسلم “اقرأ باسم ربك الذي خلق”.

بعد ذلك التّاريخ بدأتِ الفكرةُ تتوسعُ شيئًا فشيئًا؛ حيثُ أُقيمت العديدُ من المحاضراتِ والندوات، وكان الدكتور (جبور) – وهو صاحبُ النَّفسِ الطويلِ، والمثابرِ على الفكرةِ حتى تنضج وتكبر وترى النور- لا يُفوّتُ صغيرةً ولا كبيرةً، إلاّ ويُذكّرُ بضرورةِ اعتمادِ يومٍ للغة العربية، وأن يكون هذا اليوم هو يوم نزول الوحي بأولِ آية على الرّسول المصطفى صلى الله عليه وسلم.

بين العامين /2008م/ و/2010م/ أُرسِلت العديدُ من الرسائل الرسمية بهذا الخصوص، من قبل صاحب الفكرة الأستاذ الدكتور (جورج جبور) بإمكانِ أصحاب الشأنِ العودة إليها، فهي موثقة بأرشيفِ الجهات الّتي تمّت مخاطبتها آنذاك.

علاوةً عن ذلك فقد تمّ طباعة العديد من الكُتيبات الصغيرة، التي تنادي بالفكرة ذاتِها وتطالبُ بها، واستمرت الجهود بين مدٍ وجزر.

عام/2012م/ أُرسلت الفكرة من جديد، من خلال دولة (الإمارات العربية المتحدة) إلى (اليونسكو)، وقد تحمل أعباءَ تلك المهمة مشكورين: الأستاذ الدكتور (علي بن موسى) والدكتور الفاضل (زياد الدريس).

ليصدر بعد ذلك قرارٌ من (اليونسكو) باعتماد (الثامن عشر من كانون الأول) من كلّ عامٍ كيومٍ للّغة العربية.

ولا ريبَ أنّ هذا أمرٌ بغاية السّرور والأهمية، وإن كان هذا القرار قد أهمل عن قصدٍ، أو عن حسن نيةٍ تواريخَ مهمةً في حياتنا كأمة عربية، وترك ندُوبًا تمسُ حقوق الملكيةِ الفكرية وإرثنا التاريخي.

فمن حيث التّاريخ الذي تمّ اعتماده من قبل (اليونسكو) بجعل (الثامن عشر من كانون الأول) من كل عامٍ هو يوم اللغة العربية بحجة أنّه التّاريخ الذي تمّ اعتماد العربية فيه، كلغة رسمية في الأمم المتحدة عام/1973م/ أرى فيه الكثير من بخسٍ لحقوقنا وماضي تاريخنا، كعربٍ، وكأمةٍ ضاربة بعُمق الحضارة.

فالعربُ ولغتُهم منذ آلاف السنين، فلماذا هذا التّاريخ؟!، مع اعتزازنا بتلك الحقبةِ الّتي أدّت لجعلِ العربية رسمية في منابر (الأمم المتحدة) آنذاك.

وأما الأمرُ الأخر فحقوق الملكيةِ الفكريةِ لصاحب الفكرة، ونحن هنا نُثبتُ واقعةً ثقافية، تَمسُ جوهرَ حقوقِ الفرد!! أليس من الإنصاف أن يُذكر على الأقل التّسلسل التّاريخي والمكاني، لمن كان له قلمٌ وجهدٌ دؤوب للوصول إلى هذا اليوم؟؟ وأقصد هنا الأستاذ الدكتور(جورج جبور)، فهو من بدأ الفكرة في العام/2006م/ أليس من العدل أن تُذكرَ مدينة (حلب) وجامعتها فهما المكان الذي انطلقت منه البذرة الأولى، ولا سيما أنّ (جامعة حلب) وقد احتفلت للعام الثاني على التوالي، بأنّها الجامعة التي انطلقت منها الفكرة، وأنّ صاحبَ الفكرة هو الأستاذ الدكتور (جورج جبور).

ولعل ثالث الملاحظات: تتعلق بالجهة التي أصدرت القرار، ألم يكن الأولى بالدولِ العربيّة نفسِها أن تكون هي صاحبة القرار بهذا الشأن؟؟، لماذا (اليونسكو) هي من تتخذ القرار!!، لماذا لا تكون (اليونسكو) مُرحبّةً بالقرار الصادرٍ عن الدول العربية، فهم أهل اللغة، وبينهم ترعرعت، وبهم تكبر وتنمو وتزدهر.

وهنا أستغل هذا المنبر الإعلامي العروبي لمناشدةِ القادة العرب، أصحاب الحرص على اللغة العربية، لاعتماد قرارٍ بيوم اللغة العربية، على أن يكون اليوم الذي نزلت فيه “اقرأ” هو اليوم المعتمد، وبالتالي تحددُ (اليونسكو) يوم اللغة العربية تِبعًا لقرار القادة العرب.

قبل ختام مقالتي: لا بدّ من الإشارةِ إلى أنني وقفتُ قبل أيامٍ على كتابٍ جميل بعنوانه وترتيبه، رائعٍ بروعة ودبلوماسية قلب مؤلفه، يتناولُ فيه يومَ اللغة العربية، ويتحدثُ بإسهابٍ عن الأحداث التي رافقت تحديد هذا اليوم من قبل (اليونسكو) وقد حمل الكتابُ عنوان: ” حكاية اليوم العالمي للغة العربية” لمؤلفه – حفظه الله – الأستاذ الدكتور (زياد الدريس).

وفي الوقت الذي سرّني وهابني محتوى الكتاب، ومؤلفه صاحب الثقافة والدبلوماسية، آلمني أنّه اختزل فكرةَ يوم اللغة العربية وبداياتها منذ العام/2012م/ متجاهلًا تلك الكتب التي طالبت بالفكرة من قبلُ، ومتجاوزًا الندواتِ والمحاضراتِ، والمناشداتِ والمطالبات، التي قام بها الأستاذ الدكتور (جورج جبور) منذ العام/2006م/ حتى وَجدت هذه الفكرة طريقها للظهور والاعتماد.

أكتبُ وكلي ثقة أنّ صدرَ الأستاذ الدكتور (زياد الدريس) رحبًا لتقبل فكرةٍ توثقُ لحقوقِ اقتراح بدأ العمل عليه منذ العام/2006م/.

فأنا هنا أسردُ وقائعَ يوميّة كنتُ مُنضدًا لها وقتها، وحاضرًا لعددٍ من الأعمالِ والمُراسلات التي تمت بهذا الصدد آنذاك.

ختامًا ولا أدري إن كنتُ سأختمُ بمسك ٍأم بإمساكٍ عن أنّه إقرارٌ بعدم ولوج الأهم أقولُ: عودًا على العنوان؛ إذ تذكر كتبُ الأدب أن (حَمَّاد الراوية) قدِم على (بِلَال بن أَبى بردة بن أبي موسى الأشعري) وكان واليًا على البصرة، فَقَالَ له: أما أطرفتني شَيْئًا؟ فَعَاد إِلَيْهِ، فأنشده القصيدة التي فِي شعر (الحطيئة) في مدح (أَبي مُوسَى).

فقال له (بلال): ويحك!! يمدحُ (الحطيئةُ) (أبا موسى) ولا أعرفُ ذلك!! وأنا أروي شعر (الحطيئة) ولكن دعها تذهبُ في الناس!

من هنا يتوجبُ على أهل الحِل والثقافة: ألاّ يتركوا هذه المسألة تذهبُ بين النّاس، وليعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

 

 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com