لم تجد قطر بداً من الرضوخ لقواعد منظّمة التجارة العالمية، إذ قرّرت سحب إجراءاتها المتعلقة بحظر بيع المنتجات الإماراتية في أسواقها في ظل خسائها الكبيرة، فيما أكّدت دولة الإمارات الاستمرار في إجراءات رفع دعوى ضد قطر، ومطالبتها التعهد أمام كل أعضاء المنظمة بإلغاء أية إجراءات لحظر بيع المنتجات الإماراتية في المستقبل، والالتزام بإجراءات قواعد المنظمة الدولية.
وقرّرت قطر سحب إجراءاتها المتعلقة بحظر بيع المنتجات الإماراتية في الأسواق القطرية، في تنازل مهم لتفادي تداعيات قضية رفعتها الإمارات ضد قطر في منظمة التجارة العالمية.
وخلال الجلسة التي عقدها جهاز تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية أمس للنظر في طلب دولة الإمارات السير في إجراءات تشكيل هيئة تحكيم في الإجراءات التي اتخذتها قطر ضد منتجات وسلع دولة الإمارات العربية المتحدة، أعلنت قطر أنها سحبت التعاميم السابقة التي أصدرتها في العام الماضي بسحب المنتجات، وألغت جزئياً التدابير التي تحظر بيع وشراء البضائع المصدرة من الإمارات العربية المتحدة.
ويأتي الإجراء القطري إقراراً بسياسات الدوحة الخاطئة التي تخالف التزاماتها الدولية، وهو الموقف الذي أصبح محرجاً لها أمام المجتمع الدولي، ومع ذلك فإنّ التنازل الجزئي لقطر لا يقطع شوطاً كبيراً ولا يحل جميع القضايا في النزاع، حيث طلبت دولة الإمارات الاستمرار في السير بتشكيل هيئة التحكيم لكشف كل الإجراءات القطرية أمام المنظمة الدولية، في انتهاكاتها الصارخة لقواعد منظمة التجارة العالمية.
وستواصل دولة الإمارات في هذه المرحلة المضي قدماً في عملية تشكيل هيئة تحكيم في منظمة التجارة العالمية لمراجعة سلوك قطر غير السليم.
وأكّد السفير عبد الله حمدان النقبي، مدير إدارة القانون الدولي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أنّ الإقرار القطري بانتهاكاته السابقة وقبل يوم من رفع الإمارات لطلب التحكيم، يعد تنازلاً واضحاً ونسعى إلى السحب الكامل للإجراءات والتزام الدوحة بتعهداتها ضمن منظمة التجارة العالمية. وأضاف أنّ قطر اختارت منهج الشكاوى القانونية، ونرى اليوم أنّ هذا المنهج يضعها في موقف دفاعي لم تحسب تداعياته.
في الأثناء،أعلنت دولة الإمارات، أمس، استمرارها في إجراءات رفع دعوى في منظمة التجارة العالمية ضد قطر. وشددت الإمارات على استمرارها في إجراءات تشكيل هيئة التحكيم الخاصة بالدعوى أمام المنظمة الدولية، لكشف كل الإجراءات القطرية غير القانونية التي تشكل انتهاكاً صارخاً لقواعد منظمة التجارة العالمية.
وأكد الوكيل المساعد لشؤون التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد، جمعة الكيت، في تصريحات اعلامية، أنّ دولة الإمارات لا تثق في تطبيق قطر للتعميمين الأخيرين الصادرين عن وزارتي الصحة والتجارة والصناعة القطرية، بإلغاء قرارات حظر بيع المنتجات الإماراتية في السوق القطري، مشدداً على أنه لا يوجد ضامن لقطر، حيث قد تتلاعب على أرض الواقع بالتعميمين أو لا تنفذهما، الأمر الذي دعا الإمارات للاستمرار في المطالبة بتشكيل لجنة التحكيم.
وأضاف أنّ دولة الإمارات تطلب من قطر تعهداً أمام كل أعضاء المنظمة العالمية بأنها ستقوم بإلغاء أية إجراءات لحظر بيع المنتجات الإماراتية في السوق القطري في المستقبل، وأنها ستلتزم بإجراءات قواعد المنظمة الدولية، ولن تكرر قراراتها المخالفة مرة أخرى.
وأضاف: «نحن مستمرون في إجراءات دعوانا إلى أن تلتزم قطر، لأنّ قطر ممكن أن تجري تعديلات جديدة مستقبلاً، أو تتخذ قرارات أو إجراءات غير معلنة بالحظر الفعلي لمنتجاتنا.
وشدّد الوكيل المساعد على أن التعميميْن القطرييْن يعدان بمثابة تنازل هدفه تفادي تداعيات قضية رفعتها دولة الإمارات في منظمة التجارة العالمية، لافتاً إلى أنّ قطر شعرت بالحرج الشديد أمام المجتمع الدولي لاتخاذها قراراً خاطئاً يتعلق بحرية تداول التجارة.
وأوضح الوكيل المساعد أن الدعوى التي رفعتها الإمارات ضد قطر جاءت بعد تأكد دولة الإمارات من قيام وزارة الاقتصاد القطرية بحظر بيع السلع الاستهلاكية المصنعة في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ومصر، إلى جانب قرار وزارة الصحة العامة القطرية بمنع الصيدليات من بيع الأدوية والمستحضرات الأخرى المصنعة في الدول الأربع، فضلاً عن قيام قطر برفع أسماء الشركات الإماراتية من قوائم البائعين المعتمدين لمشاريع البنية التحتية، وحفاظها على حظر غير معلن على المنتجات القادمة من الإمارات، مضيفاً: «لم يثبت لنا للآن جدية قطر في سحب قرارها، ولا يوجد دليل يؤكد ذلك إلّا أوراقاً، لكن على أرض الواقع ما زال الحظر موجود، ولذلك مستمرون في الدعوى».
ولفت جمعة الكيت إلى وجود قضيتين: الأولى رفعتها الإمارات ضد قطر تتعلق بحظر بيع المنتجات الإماراتية في السوق القطري، أما الثانية فهي قضية رفعتها قطر ضد الإمارات أغسطس 2017، زعمت فيها أنّ دولة الإمارات منعت دخول السلع إلى قطر وأوقفت التعاملات التجارية معها، وما زالت القضية قيد الإجراء.
وذكر الكيت أن مبررات قطر في الدعوى الثانية واهية، مشيراً إلى أنّ دولة الإمارات اتخذت هذا الإجراء لحماية أمنها القومي. وقال إنّ دولة الإمارات أكدت مراراً منذ بداية رفع قطر للقضية، أن قواعد منظمة التجارة العالمية تحدد أنّ الدول قد تتخذ أي إجراء تراه ضرورياً لحماية مصالحها الأمنية الأساسية، وهو ما يتفق مع مبادئ ونصوص المنظمة الدولية عكس ما تقوم به قطر.
ولفت الوكيل المساعد إلى أنّ قطر بررت إجراءاتها التي حظرت المنتجات الإماراتية بحماية سلامة المستهلكين ومكافحة الاتجار غير المشروع بالسلع، دون أن تقدم أي تفسير لهذه المزاعم، وكيف لجميع السلع الواردة من الدول الأربع أن تضر بالمستهلكين أو تمثل اتجاراً غير مشروع، مشدّداً على أنّ قطر لم تتذرع بأي مبرر منطقي لتبرير إجراءاتها من جانب واحد حال حظرها للمنتجات الإماراتية، ما يؤكد أن شكواها الأولية ضد دولة الإمارات لمنظمة التجارة العالمية كيدية لا أساس لها من الصحة، حيث تعمل الدوحة على استغلال المنظمات الدولية لأغراض سياسية لا علاقة بعمل المنظمات بها.
وشدّد الكيت على أن قطر سحبت المنتجات الإماراتية من السوق القطري دون النظر لنتيجة الشكوى التي رفعتها ضد الإمارات وزعمت فيها أن دولة الإمارات منعت دخول السلع إلى قطر وأوقفت التعاملات التجارية معها.
وقال الكيت إنّ مذكرة دولة الإمارات شددت على أنّ الإجراءات القطرية أحادية الجانب تهدف إلى التمييز ضد بضائع دولة الإمارات، حيث تستفيد السلع المحلية والسلع الأخرى القادمة من أعضاء آخرين في منظمة التجارة العالمية من الإجراء القطري.
وأضاف الكيت: «مستمرون في إجراءاتنا ضد قطر حتى تعود إلى رشدها وتحترم الاتفاقيات الدولية ولا تتحايل على نصوصها على أرض الواقع».