الإسكندرية في 30 يناير– شهد اليوم الثالث من المؤتمر السنوي الرابع لمواجهة التطرف الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية في الفترة من 28 إلى 30 يناير 2018 مجموعة من الجلسات المتوازية التي ناقشت دور الأدب والمؤسسات الثقافية في مجابهة التطرف.
وعُقدت جلسة بعنوان “الأدب في مواجهة التطرف” أدارها الإعلامي محمود الورواري، وشارك فيها سيد محمود؛ صحفي وكاتب مصري، وإنعام كجه جي؛ كاتبه صحفية وروائية عراقية، ومبارك السالمين؛ رئيس اتحاد أدباء وكتاب اليمن.
وقال الإعلامي محمود الورواري إن المعالجة الأمنية للإرهاب تقع على عاتق الحكومات والأنظمة، ولكن الأدباء والمفكرين يمتلكون سلاح يتساوى في القوة لتفكيك الإرهاب والتطرف من المنبع، مشيرًا إلى أن الأدب ابن بيئته فإذا كان الواقع في حالة ارتباك فكري ينتج عنه ظهور الإرهابيين، فإن الأدب سيحمل أوجاع واقعه.
وطرح الورواري عدة تساؤلات حول مدى اهتمام واحتفاء الحكومات بالأدباء والكُتاب لما لهم من دور مهم في مواجهة تلك الظاهرة، وهل يتوقف دورهم عند رصد الظاهرة فقط، والتي تكون في شكل فيلم وثائقي دون الاهتمام بالشكل الفني، أم تحليل الأفكار دون أن يفقد ذاته وينتقل من دائرة الأدب إلى التأريخ؟
وأشار الورواري إلى أدب الاستعجال الذي يتناول الأحداث والوقائع بشكل سريع دون انتهائه أو نضوجه، وهذه نقطة الضعف التي أصابت الأعمال الأدبية عقب ثورة 25 يناير، مضيفًا: “ولذلك حاولت في روايتي (مدد) الابتعاد عن الثورة وحرصت على ربطها بأحداث إنسانية، ففي النهاية ما يبقى هو الأدب المكتمل فنيًا”.
وأضاف الورواري أن البعض يعتقد أن الروائيين الحاليين محظوظين لمعايشتهم هذه الأحداث الكبرى ليس في مصر فقط ولكن في الوطن العربي بأكمله، وهذا فكر خاطئ فالأكثر حظًا هم الروائيين القادمين، مشيرًا إلى موقف عميد الأدب العربي طه حسين في عدم كتابته عن أحداث ثورة 1952، وبرر موقفه بأنه لابد وأن “يهضم الحدث” حتى يتحدث عنه.
وقالت إنعام كجه جي؛ كاتبه صحفية وروائية عراقية، إن في أغلب الأحاديث عن مواجهة الإرهاب والتطرف تطرح الحلول العسكرية وسط تغافل دور الأدب، على الرغم من كونها حرب ضد الظلام والعتمة وتحتاج إلى مواجهة عقلية وفكرية وليس السلاح. وأوضحت أنها بدأت في الكتابة الروائية عقب سنوات من الكتابة الصحفية وهي تحمل آمال إنقاذ العراق ممن قاموا بتشويه دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا، مضيفة أنها نشأت في بلاد الرافدين ولم يكن يطرح أحد تساؤلات حول انتمائها الديني، ولكن بعد أن أصبحت لاجئة البعض صار يتساءل عن مذهبها وليس الانتماء فقط.
وأشارت إلى أنها تسعى إلى الكتابة عن البلد الراقي المثقف الذي كان يتعايش فيه الجميع، لأن هذه الصورة كادت تتشتت وتضمحل وأصبح هناك أجيال جديدة لا تعرف هذه الصورة.
وقال سيد محمود، صحفي وكاتب مصري، إن الأدب في مصر يمر الآن بلحظة حرجة، وذلك لأن البيئة ينتشر بها الأمية مما يجعل حضور الأدب هامشي وتأثيره ضعيف بصورة كبيرة، مشيرًا إلى أنه عقب ثورة 25 يناير نتج أدب مهم يجب أن يتم الإنصات إليه. وعرض محمود الأعمال الأدبية التي رصدت ظاهرة الإرهاب، والتي كان أولها نص الأفيال لفتحي غانم، عام 1980، وعقب ذلك ظهرت العديد من التجارب من بينها رواية “أقلتها” ليوسف إدريس، عام 1981، وفي التسعينات تحولت المواجهة مع الإرهاب إلى الإعلام وشاشة التلفاز.
وأوضح محمود أن الأدب السوري خلال العشر سنوات الأخيرة، أي قبل بداية الأحداث السياسية بخمس سنوات، رصد الوضع بصورة دقيقة فيما أطلق عليه “بلاغة المقموعين”، إذ حاول الأدباء الرد على الضغط الممارسة على المجتمع بالكتابة، إلا أن النظام لم يكن ينتبه لهم.
وفي بداية كلمته قال مبارك السالمين، رئيس اتحاد أدباء وكتاب اليمن إن المكتبة في اليمن من العوامل التي كادت أن تنقرض، فمع بداية سنوات الحرب أصبحت المكتبات والمسارح جزءًا من الماضي وبالكاد يستطيع اليمنيون المحافظة على الجامعات. وأوضح أن العالم العربي في أمس الحاجة إلى ترويض النفس لحثها على المحاسن في ظل الأحداث الدامية التي يعيشها، مضيفًا: “اليوم لا نستطيع حتى أن نتحدث مع أحد في مقهى عام لأننا نتخوف من إرهابه، مما يقتضي بضرورة تعلم مشاعر المحبة والقرب التي تآكلت”.
وأكد السالمين على ضرورة أن يتجه الأدب إلى المدرسة، التي لم تعد السياج الذي يحمي النفس والفضاء المستقطب بل فضاء طارد بسياسات تعليمية وأساليب تدريس غير صالحة، كما أصبح المسرح عدو للسلطة في جميع البلدان العربية على الرغم من كونه أحد أهم وسائل تقويم النفس.
وجاءت الجلسة الثانية بعنوان “المؤسسات الثقافية في مواجهة التطرف”، تحدث فيها كل من الأستاذ موفق ملكاوي؛ ممثلاً عن مؤسسة عبد الحميد شومان بالأردن، والأستاذ عبد الله علي؛ ممثلاً عن مركز الفيصل الثقافي بالسودان، والدكتور مدحت العدل ممثلاً عن “العدل جروب”. وأدار الجلسة الدكتور عبد اللطيف عبيد.
وقال الدكتور مدحت العدل إن الأعمال الفنية هي من أهم أدوات محاربة الفكر المتطرف، وأن تهميش دور الثقافة من سينما ومسرح ومهرجانات فنية في العديد من الدول العربية هو شكل من أشكال التطرف. وأوضح أن محاربة التطرف لا تقتصر على الأدب والثقافة فقط، بل تبدأ بتقويم الفكر الذي يقوم على التمييز ورفض الآخر.
وأشار إلى أن تسليع الثقافة أصبح هو السائد الآن، وأن النماذج السيئة أو متوسطة الموهبة هي التي تحظى بالقبول والانتشار. وشدد على أهمية أن تتبنى الدول مشروعات ثقافية في كافة المجالات، وأن يسعى الإعلام إلى تقديم النماذج الثقافية الناجحة.
وأكد أن العمل الفني هو الأكثر تأثيرًا ونفاذًا للوجدان، ولهذا سعت “العدل جروب” إلى تقديم أعمال درامية تُظهر قيم التسامح وتقبل الآخر، ومنها مسلسل “حارة اليهود”، مشددًا على أن أي عمل ثقافي تنويري هو جهد مبذول لمواجهة التطرف.
من جانبه، قال الأستاذ موفق ملكاوي إن ما نحتاج إليه اليوم هو نشر المزيد من الثقافة والمعرفة، وأن يكون لدينا رؤية لدعم التعليم الذي يعد أساس محاربة التطرف، فالأميون هم لقمة سائغة للتطرف والإرهاب. وأكد أننا لازلنا نعاني من مخرجات نظام تعليمي بائس يعتمد على التلقين، وينبغي مواجهة هذا الخراب بالرجوع للثقافة التي تعتبر منجاة للشعوب.
وعرض ملكاوي تجربة مؤسسة عبد الحميد شومان بالأردن في تعليم وتثقيف الأطفال والشباب، حيث أعادت صياغة أهدافها لتتماشى مع المتغيرات التي فرضت نفسها في المجتمعات العربية. ولفت إلى أن المؤسسة بدأت بتطوير مكتبة “درب المعرفة” بهدف دعم فكرة القراءة والتدريب على الفنون واكتشاف المواهب، كما تبنت المؤسسة برنامج “تعليم العلوم” و”مختبر المبتكرون الصغار” للتدريب على مبادئ الكهرباء والالكترونيات والبرمجة. وأسست المؤسسة قسم المنتدى الثقافي، وقسمًا خاصًا لتقديم منح جزئية لمشروعات الشباب، بالإضافة إلى جوائز عبد الحميد شومان للعلماء العرب، والابتكار، وأدب الأطفال.
وتحدث الأستاذ عبد الله علي عن مركز الفيصل الثقافي بالسودان، وهو إحدى مبادرات بنك فيصل الإسلامي في إطار المسؤولية الاجتماعية للبنك، ويقدم خدمات معلوماتية ومعرفية وتعليمية شاملة ومتنوعة لكافة فئات المجتمع عبر المكتبة العامة والمكتبة الإلكترونية ومكتبة الأطفال. ولفت إلى أن المركز يسعى لتقديم محاضرات وندوات وفعاليات موجهة للشباب، وبرامج خاصة ومحتوى لاستغلال طاقاتهم. كما يقوم المركز بعقد عدة شراكات مع اتحادات ومراكز تعليمية محلية ودولية لتحقيق أهدافه.