أكد تقرير صدر عن المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية والمستقبلية في أبوظبي أمس أنه في حال وضع الاتحاد الأوروبي اسم دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن قائمته السوداء للملاذات الضريبية، التي نشرها خلال الفترة الماضية، فإن أمراً مثل هذا، لا يعبر بأي حال من الأحوال، عما وصلت إليه الدولة من تطور في سياساتها الاقتصادية والتنموية عموماً، على مدار العقود الماضية.
هذه السياسات التي وضعتها في مراتب الدول الأكثر تطوراً في العالم في العديد من المجالات والمؤشرات، بما في ذلك المؤشرات ذات العلاقة المباشرة بمجال ضبط التعاملات المالية الدولية، وما يتعلق بها من إجراءات ضريبية وغيرها، ومن بينها مؤشرات الشفافية والتنافسية وجودة السياسات الحكومية وغيرها من المؤشرات ذات الصلة.
وشدد التقرير على القول: إن أول رد على التصنيف المجحف للإمارات ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية الخاص بالاتحاد الأوروبي، هو أنها تعد من الدول الأكثر حيوية وأكثر انفتاحاً على العالم الخارجي في ما يتعلق بالتعاون في مجال الضرائب، إذ إنها وقعت ما يزيد على 173 اتفاقية مع مجموعة من الدول لأغراض تجنب الازدواج الضريبي وتبادل المعلومات الضريبية وحماية الاستثمار، وهو ما يشير إلى حرص الدولة التام على التعامل بشفافية واستعدادها للتعاون مع جميع دول العالم من أجل ضبط التعاملات المالية ومكافحة مظاهر عدم الانضباط والفساد المالي، وذلك من خلال تبادل المعلومات المالية مع الدول الأخرى، بما لا يخل بطبيعة الحال بقواعد السرية والخصوصية المعمول بها وفق القانون الدولي المتعلق بالتعاملات المالية والاقتصادية، وبما يحمي في الوقت ذاته حقوق جميع الأطراف، وفي إطار الالتزام بقواعد سرية البيانات الضريبية المتداولة وحمايتها من المخاطر تفادياً لأية انعكاسات سلبية على الأطراف ذات العلاقة.
وبالتالي فإن دولة الإمارات باعتبارها طرفاً فاعلاً في هذه الاتفاقيات، وكذلك في المنظمات الدولية ذات الاختصاص، بالإضافة إلى تعاونها الوثيق مع المنظمات الاقتصادية الدولية كافة، كل ذلك يجعل منها دولة ذات موقع متميز في مجال الالتزام بما يمكن تسميته «قواعد التعاملات المالية النظيفة» على مستوى العالم، الأمر الذي يجعل من تصنيف الاتحاد الأوروبي لها في قائمته السوداء المتضمنة للملاذات الضريبية في العالم، تصنيفاً ليس في محله، ويتناقض مع الواقع الذي تعيشه الدولة والممارسة العملية لها على أرض الواقع.
وأوضح المركز أن وضع اسم الإمارات، في قائمة تضم الملاذات الضريبية في العالم، لا يتناسب بأي حال مع حصولها على المرتبة الأولى عربياً والمرتبة السابعة عشرة عالمياً في مؤشر التنافسية العالمية لعام 2017، الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، وقد حافظت الإمارات على موقعها بين أفضل 20 اقتصاداً على مستوى العالم في مؤشر التنافسية خلال السنوات الخمس الماضية وبشكل متواصل. وفي الإطار ذاته حصلت الإمارات أيضاً على المرتبة الأولى إقليمياً والعاشرة عالمياً ضمن «كتاب التنافسية العالمية» لعام 2017، الصادر عن «مركز التنافسية العالمي» التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية.
وعلى مستوى المحاور والمؤشرات، حققت الإمارات المركز الرابع عالمياً في محور الكفاءة الحكومية، كما أنها حققت المركز الأول عالمياً في تسعة من مؤشرات فرعية بهذا المحور، من أبرزها مؤشر «مرونة السياسات الحكومية»، ومؤشر «جودة القرارات الحكومية»، ما يشير إلى ما وصلت إليه الدولة من تطور وكفاءة في السياسات الحكومية والسياسات الاقتصادية بشكل عام، بما في ذلك السياسات الضريبية الكفؤة.
فضلاً عن ذلك، فإن «التصنيف الأوروبي» لا يتناسب، مع المكانة التي تتربع عليها الإمارات، باعتبارها صاحبة المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا والمرتبة الـ24 عالمياً في «مؤشر الشفافية» لعام 2016، والصادر عن «مؤسسة الشفافية الدولية»، متفوقة بذلك على العديد من الدول المتقدمة، التي لم يرد اسمها بطبيعة الحال ضمن قائمة الاتحاد الأوروبي السوداء للملاذات الضريبية.
كما احتلت الإمارات المرتبة الأولى شرق أوسطياً والرابعة والعشرين عالمياً في مؤشر مكافحة الفساد، المعروف بـ«مؤشر مدركات الفساد»، لعام 2016، والصادر أيضاً عن «مؤسسة الشفافية الدولية».
وأعاد تقرير المركز إلى الأذهان، كيف حلت دولة الإمارات كذلك، خلال السنوات الماضية في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر «كفاءة السياسات المالية الحكومية»، الذي يصدره «المعهد الدولي للتنمية الإدارية» في سويسرا، وهو المؤشر شديد الصلة أيضاً بقضايا الإصلاح الضريبي وكفاءة السياسات المالية المرتبطة بمكافحة التهرب الضريبي، ويعد حصولها على هذه المرتبة، ولا سيما أنها صادرة عن «المعهد الدولي للتنمية الإدارية»، حيث يمثل بدوره نقطة تحسب في رصيدها الإيجابي الثري في هذا المجال، ولا سيما أن المعهد هو من أبرز كليات إدارة الأعمال الرائدة في الحقل الأكاديمي والبحثي عالمياً، والتي تعد ذات مكانة مرموقة في ما يتعلق بقياس مدى التزام الدول بقواعد وسياسات الكفاءة والفعالية والشفافية في الأداء الحكومي وما يعطي حصول الإمارات على المرتبة الأولى عالمياً في هذا المؤشر أيضاً هو أن احتساب وتقدير المؤشر ذاته يعتمد على نموذج شامل للتقييم الاقتصادي لأداء الدول في مجال التنافسية، حيث يتضمن تقييماً وتحليلاً لأكثر من ثلاثمائة معيار ومؤشر حول كيفية الاستخدام الأمثل للموارد التي تمتلكها الدول في تحقيق الرخاء الاقتصادي والبيئي ورفع مستويات المعيشة.
وأضاف التقرير: بالتأكيد فهناك علاقة مباشرة بين الأداء المتميز للإمارات في مؤشر كفاءة السياسات المالية الحكومية من ناحية ومكانتها المتميزة أيضاً في مؤشر مدركات الفساد، وهذا الترتيب المتقدم لها في المؤشرين معاً يشير إلى أنها بعيدة كل البعد عن الممارسات التي يمكن أن تدخلها في إطار الدول الراعية للممارسات المالية الفاسدة، والتي تنمو وتزداد في ظروف منها ضعف المؤسسات الحكومية في تأدية واجباتها ودورها في ضبط التعاملات المالية، سواء تلك الخاصة بالمؤسسات نفسها أو جميع التعاملات المالية الجارية في الاقتصاد الكلي، بما يساعد على انتشار الفساد بشتى صوره، ولا سيما الفساد المالي؛ وهي ظروف لا تتوافر بأي حال في الإمارات.
وكما ذكر تقرير «مؤسسة الشفافية الدولية» المشار إليه مسبقاً، فإن «الفساد يغذي انعدام المساواة، والعكس صحيح، مما يهيئ لحلقة مفرغة بين الفساد والتوزيع غير المتساوي للسلطة في المجتمع، والتوزيع غير العادل للثروة»، ولعل إيمان دولة الإمارات العربية المتحدة بذلك هو ما دفعها إلى تبني سياسات حكومية تجعلها في مصاف الدول الأكثر تقدماً في مجال الشفافية ومكافحة الفساد. ويعد امتلاكها هذه الخصائص قرينة تنفي صحة تصنيف الاتحاد الأوروبي لها، ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية.
أكثر النظم الضريبية تطوراً في العالم
خلُص تقرير المركز الاستشاري الاستراتيجي للدراسات إلى أن النظام الضريبي لدولة الإمارات يمثل في الوقت الحالي أحد أكثر النظم الضريبية تطوراً في العالم، في ظل عدة اعتبارات مهمة، أولها الجهود التطويرية التي تقوم بها الدولة بشكل مستمر به، سواء تعلق الأمر بأطره التشريعية أو القانونية أو التنفيذية والإجرائية، ثانيها الاستعداد التام لدى الدولة للدخول – بل دخولها بالفعل – في الاتفاقيات المتعلقة بتبادل المعلومات الضريبية ومنع الازدواج الضريبي وحماية الاستثمار، ثالثها أن هذا النظام الضريبي بأطره كافة هو جزء لا يتجزأ من الأطر التشريعية والتنظيمية والتنفيذية المختلفة في المجال الاقتصادي بالدولة، والتي تتجلى ملامحها الإيجابية في تصدر الإمارات الترتيب الإقليمي ومجيئها في مراتب متقدمة عالمياً في مؤشرات الشفافية والتنافسية وكفاءة الأداء الحكومي.
وكل ذلك يمثل رداً عملياً على التصنيف المجحف لدولة الإمارات ضمن القائمة السوداء للملاذات الضريبية الصادر عن الاتحاد الأوروبي، بل إن هذه المعطيات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الإمارات لديها الاستعداد التام للتعاون مع جميع الأطراف – بل إنها متعاونة بالفعل معها – بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ذاته، وذلك في كل ما يتعلق بالنظم والتعاملات الضريبية والمالية.