|  آخر تحديث فبراير 7, 2017 , 12:43 م

الكتاب.. والمستقبل المجهول


بقلم: د. رائد بن عبدالعزيز ( السعودية )

الكتاب.. والمستقبل المجهول



الكتب الرقمية او الكتب الالكترونية وبعد سنوات من النمو المطرد في حجم المبيعات التجارية لها تشهد انخفاضا في مبيعاتها وذلك للمرة الأولى خلال هذا العام، مما يثير العديد من التساؤلات بشأن مستقبل صناعة الكتب الإلكترونية في مجال النشر. وأن الضجيج الذي صاحب انطلاق تقنيات الكتب الإلكترونية قد دفع العديد من الشركات والقطاعات الى الاستثمار المطلق والغير محسوب التبعات في هذه الصناعة، وبالتالي اهمال الجانب الأهم والاساسي في طريق العلم والمعرفة والثقافة وهي الطباعة الورقية.
على الرغم من الإدراك المتزايد بإمكانية التعايش بين الكتاب الرقمي والمطبوع وعدم خلق تنافس غير منطقي بينهما في سماء المعرفة والثقافة، الا ان فكرة استحواذ الكتب الرقمية على الساحة وعدم قدرة الكتاب المطبوع على المنافسة وخلق التنافس الوهمي بينهما لاتزال تطفوا على السطح بغض النظر عن الهدف من وراء ذلك سواء كان هدفا تجاريا بحتا ام لا.
إذا ما الذي يغذي مثل هذا الطرح ويقويه؟ لماذا الاستمرار في التشكيك وخلق التنافس الوهمي بين الكتب الإلكترونية والكتب المطبوعة من حيث البقاء او الاندثار، حتى ولو كانت جميع الدلائل والبراهين تقود وبشكل واضح الى إمكانية التعايش التام بينهما بل ودعم كل منهما الاخر.
للإجابة على هذه التساؤلات اعتقد ان الامر يتجاوز مجرد التنافس بين الكتب الإلكترونية الرقمية والكتب المطبوعة الى عوالم رفض التغيير والابتكار من خلال تطويع التقنيات الجديدة والتمازج بين الإثارة والخوف الذي يتوالد بفعل هذا الرفض. حتى قبل ظهور التكنولوجيا الرقمية الحديثة، وبالحديث عن وسائل الاعلام وتوقع العديد النقاد اندثار العديد منها، فعلى سبيل المثال وبعد الاختراع الهائل والنقلة النوعية في وسائل النقل من المسموع الى المرئي متمثلا ذلك في التلفاز، فان جميع التوقعات انصبت على ان تقنيات الإذاعة تلفظ انفاسها الأخيرة وماهي الا مسألة وقت حتى تندثر وتصبح رمادا، لكن ما حدث فعليا هو ان الاذاعة تكيفت بشكل كامل مع متطلبات العصر الحديث من خلال إيجاد استخدامات جديدة وتحديث لمنظومتها الداخلية عبر نقلات نوعية في المواد والأسلوب وتطويع التقنية الحديثة لخدمتها عبر التواجد الفاعل في وسائل النقل العامة عموما، وفتح أبواب ونوافذ متعددة للمحتوى الإعلامي بل وحتى أجهزة الهواتف المحمولة من خلال تطبيقات متخصصة في القنوات الاذاعية.
ومع كل تطور وتقدم في التقنية يتم الزج بالكتاب المطبوع -مصدر الثقافة والمعرفة -كطرف مستهدف بشكل كامل مرارا وتكرارا كما حدث مع ظهور الإذاعة والتلفاز وأجهزة التسجيل الصوتية بل وحتى والهواتف الذكية ومن عارض فكرة اندثار الكتب المطبوعة تذرع بأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انحدار وانهيار للمحتوى الثقافي والمعرفي للبشرية، والفريق المضاد تبنى المبالغة في وضع التصورات والمزايا المتعلقة بالكتب الرقمية وأنها تقنية المستقبل ولغة العصر الحديث وعكس ذلك ليس الا مجرد أوهام.
التفاعلات العاطفية كذلك هي امر شائع جدا في الطبيعة البشرية، ووسائل التواصل والاعلام جزء لا يتجزأ من مكونات هذه العواطف والمشاعر على اعتبار انها أصبحت مكون أساسي للشخصية ومصدر الوقود المعرفي والغذاء الروحي. وقد أظهرت العديد من الدراسات كيف يتعامل البشر مع العديد من الأمور فعلى سبيل المثال أجهزة التلفاز والحواسب الالية وإعطاء اسماء للمركبات أو الحديث والصراخ الى الأجهزة المحمولة عند تعطلها. ونتيجة لذلك، وعند ظهور تكنولوجيا جديدة -مثل القراءة الإلكترونية – وبسبب ارتباط الافراد بأجهزتهم بشكل شبه دائم فأصبح الاعتقاد بان أيام الكتاب المطبوع أصبحت معدودة وانه يلفظ أنفاسه الأخيرة وان التقنيات الرقمية هي المستقبل لما يجب ان تكون عليه الثقافة والقراءة والاطلاع. لا شك في أن أدوات التكنولوجيا الحديثة من شبكات عنكبوتية، وألعاب إلكترونية، وهواتف محمولة متطورة، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من واقع حقيقي يعيشه الفرد خلال حياته ومناشطة اليومية، بل أصبح الكثير من الناس لا يستطيعون الاستغناء عنها؛ لأنها وبشكل مبسط أصبحت من الأساسيات تماما كالطعام والشراب والنوم، بالإضافة إلى أن هذه الأدوات الحديثة جعلت العالم قرية صغيرة وسهلت اطر التواصل بين الأشخاص والحصول على المعلومات خلال دقائق معدودة.
ختاما فأود القول بان الكتاب المطبوع وعبر التاريخ القديم والحديث قد تعرض ولا يزال للعديد من الاختبارات والمواجهات والثورات التقنية ومع هذا كله لايزال متربعا على عرش مصادر المعلومات والمعرفة والثقافة ولا اعتقد ان هذا التنافس وهذه المقارنات ستنتهي في يوم ما، فالبطل واحد والمتنافسون كثر.

 

بقلم: د. رائد بن عبدالعزيز ( السعودية )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com