يحتفل كلّ عام أصحابُ لغة الضاد والمحبون لها بيومها الأغر، ومما لا شك فيه أنّ هذه مناسبة تحمل العديد من الدّلالات والمعاني؛ فهي تكريمٌ للغة التي خصّها الله فجعلها حاملة قرآنه، ومن جهة أخرى هي فرصة للوقوف على الخلل ومناقشة التحديات وتصحيح المسار، وشدّ الهمم، لإعلاء شأن العربيّة في شتى ميادين الحياة.
يوم اللغة العربيّة هو مناسبة عالمية نحتفل بها في الثامن عشر من شهر كانون الأول من كلّ عام، ويأتي هذا اليوم ضمن احتفالات الأمم المتحدة باللغات الرسمية، حيث تمّ اختيار هذا اليوم للاحتفال باللغة العربيّة تكريمًا لتاريخها وثقافتها الغنية، وللتأكيد على دورها في تعزيز التواصل والفهم بين الشعوب.
كما يُعتبر هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على الصعوبات الّتي تواجه اللغة العربيّة في العصر الحديث، مثل تأثير اللغات الأجنبية، ووسائل الإعلام الحديثة، ووسائط التواصل الاجتماعي، لذا، فإنّ تعزيز استخدام اللغة العربيّة في جميع مجالات الحياة يعد أمرًا مهمًا للحفاظ على هويتها وثقافتها، وبالتالي يضمن بقاءنا كأمّة موحّدة تجمعها اللغة.
ولعلّه من نافل القول: أنّ اللغة العربيّة من أقدم اللغات الحية وأكثرها استمرارًا على مرّ العصور، حيث يعود تاريخها إلى آلاف السنين، وهي لغة القرآن الكريم، مما يمنحها مكانة خاصة في عالمنا العربي والإسلامي، بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم اللغة العربيّة في العديد من البلدان، فهي اللغة الرسمية المعتمدة في جميع الدول العربيّة، ويتحدث بها أكثر من أربعمائة مليون شخص حول العالم، كما أنها تتميز بثراء مفرداتها وقواعدها النّحويّة والصرفيّة، ولعل الشّعر العربي بقصائده خير شاهدٍ على غنى العربيّة وقوة تراكيبها وصورها البلاغية، فهي مظهر من مظاهر التّاريخ الذي هو حاضر الأمة ومستقبلها وماضيها. ولم يقتصر الأمر عند هذا فحسب، بل نجد كثيرًا من المستشرقين تغنوا بالعربية؛ فهذا المستشرق الفرنسي “ريجي بلاشير” يكتب عن قدرة اللغة العربية على التعبير فيقول: “إنّ من أهم خصائص اللغة العربية قدرتها على التعبير عن معانٍ ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها”.
إنّ احتفالات يوم اللغة العربيّة تسعى إلى تعزيز الوعي بأهمية اللغة في الهوية الثقافية، وتطوير المهارات اللغوية لدى الأجيال الجديدة، لأنهم قادة المستقبل.
وقبل الختام نستذكر بفخرٍ أولئك الذين كانت لهم بصمات واضحة وأسسوا لإنجاز يوم اللغة العربيّة، نستحضر من الجمهورية العربيّة السورية الأستاذ الدكتور “جورج جبور” صاحب فكرة إنشاء يوم للغة العربيّة، الذي عمل بتفانٍ منذ عقدين ونيف دون كدٍّ، إيمانًا منه بأهمية اللغة، وأنها بوصلة العرب السّامية.
في الختام: يُعتبر يوم اللغة العربيّة مناسبة لتسليط الضوء على جمال هذه اللغة وتاريخها، والتأكيد على ضرورة الحفاظ عليها وتعزيز استخدامها في جميع المجالات؛ العلمية أو الثقافية و الإعلامية، وهذا يُلقي بمسؤولياتٍ جسامٍ على كلّ فردٍ فينا، فلنبذل كلّ ما في وسعنا، لتبقى راية العربيّة بيضاء ناصعة، خالية من الشوائب كما هي؛ عطاءً ورفعة، فاللغة لا تحيا وتزدهر إلّا بالمداومة على استخدامها والإبداع فيها من قبل أبنائها.
عبد العزيز محمود المصطفى
كاتب وأكاديمي