|  آخر تحديث فبراير 3, 2017 , 1:35 ص

“كرسي الإله الافتراضي”


بقلم: سندس سديرة - (الجزائر )

“كرسي الإله الافتراضي”



الكثير منا نصب نفسه هذه الأيام إلها آخر على الناس،يُقيّم أفعالهم ويزنها بالميزان الذي رسمه لنفسه وأوجده من تراكمات بيئته الغارقة أصلا في عيوبها ومآسيها،والمشتغلة في الآن ذاته بعد وإحصاء عيوب الناس وملاحقتها وتبويبها في خانة الجهل تارة وفي خانة الإلحاد والكفر تارة أخرى.

إن الوجه الحقيقي لهذا الفعل أخذ منحى آخر اليوم فأضحت  منصات التواصل الاجتماعي ساحته إذ بات بابها مفتوحا على مصراعيه أمام الجميع بشكل متساو،فصارت الحسابات الرسمية والوهمية في غالب الأحيان كرسي الإله الافتراضي الذي يجلس عليه من كان هو ناقصا ليُملي على الناس أفعالهم ويفصل بين حلالهم وحرامهم،بل ويقيمُ في غالب الأحيان مقصلة لمحاسبة من خلعت حجابها،أو أجهضت جنينها أو سافرت وحيدة لأجل الدراسة.

هذه المقصلة الافتراضية تضع المتهم أو المذنب في نظر الإله أمام مرأى من الجميع فيعلن الإله المزعوم عن زلته ويشهر بها بل ويزيد على الرواية الأصلية ما يراها حجة لشرعنة ألوهيته،فيتبجح  في وصف العورات،وتتبع العثرات لتكون ضحيته محلا للسخرية والتهجم والسب واللعن أحيانا وحتى التكفير في أحيان أخرى .

 

إن الإله الحقيقي أيها المتألهون  يتصف بصفة الستر على عباده المؤمنين إذ يمنحهم فرصا كثيرة لمراجعة أنفسهم والعدول عن أخطائهم،دون أن يشهر بهم أو يفضحهم أمام الملأ وعلى مرأى الجميع إنه هو الرب الذي تعالى عما يصفون والألوهية له وحده فلماذا تجادلون؟

بات كرسي الإله هذا متاحا للمفتقرين إلى دماثة الخلق فمن يجلس عليه يتناسى عيوبه وزلاته وكأنه خلق ليحاسب الناس وتحضرني هنا المقولة الشهيرة” لو نظر الناس إلى عيبهم ما عاب إنسان على الناس”،وهناك أيضا مثل شعبي جزائري لعله أكثر تعبيرا ” الجمل نسي كربته ويضحك على كربة أخيه” بمعنى أن الجمل تناسى أنه يحمل فوق ظهره سناما فبات يضحك على سنام الجمل الآخر ويهزأ به .

تحضرني أيضا قصة لأحد الشباب الذي جاء يخبر شيخ قريته بأنه وقع في ذنب ليدله على طريق التوبة ويرشده إلى المسار الأمثل للتكفير عن خطأه،لكن هذا الشيخ اتخذ منه قصة ومثالا ففي إحدى خطب الجمعة حكى قصته  وأشار إليه  باسمه مستهزئا وهو ينذره ويخوف المستمعين بأن عقابه سيكون عسيرا قائلا:أرأيتم فلانا قد فعل كذا وكذا،سيلقى من الله ما يلقى.

سمع الشاب بالحادثة وقال قولا سليما ومعبرا: الله سترني والشيخ فضحني”

 

 

أيها المتألهون كفى..فأنتم بحاجة إلى العلاج والحساب فحاسبوا أنفسكم أولا وأسالوها عن تقصيرها وتذكروا مكرها وخداعها وكذبها وزورها وبهتانها..تذكروا يوم كذبتم لأجل المال ويوم تآمرتم لفصل زميلكم من العمل ويوم أفشيتم سرا عليه أؤتمنتم ويوم سرقتم ويوم عصيتم لكن الله الستير لم يكشف ما فعلتم لرحمته بكم.

لقد تسيدتم  منصات التواصل  الملعونة  وأديتم دورا ما خلقتم له،فتألهتم على الناس وأنتم عبيد لشهواتكم فهل يستوي العبد لنفسه والرب لا والله لا يستويان مثلا،إن من عاب أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله كفرت بكم وبدين الفضيحة وكشف الستر الذي تدعون إليه.

 

 

بقلم: سندس سديرة – (الجزائر )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com