عند الحديث عن مستقبل الشرق الأوسط الجديد تتداخل المعطيات بالطروحات، فتتقدم المعطيات على الطروحات نظرًا للقدرة الكبرى لفرضية “الأرض تحدد شروط المباحثات”. وما يحدث من تغَيُرات جيوسياسية في محيطنا الإقليمي، ومن تسويات سياسية في الداخل اللبناني، تدفعنا لدق ناقوس الخطر ورفع شعار “قد تكون الفرصة الأخيرة” في مستقبل لبنان. ما يحدث في محيطنا الجغرافي يرسم مصير المنطقة برمتها، فالقضية ليست قضية حرية شعب عاش حياته في كنف الديكتاتوريات السياسية، جاهد في سبيل الحروب الغوغائية وعايش الحرمان الإجتماعي في عصرنا الحدث. إنما هي قضيّة البورصة العالمية التي سيرتبط مصيرها بمصير ما سيحدث في هذه الرقعة الجغرافية الشرق-أوسطية. فهذه الواجهة البحرية لسوريا ولبنان وفلسطين وإسرائيل، هي بمثابة خط عالمي جديد يفصل الشرق عن الغرب، ففي الإتجاه الأول سيتم تصدير موارد الشرق للغرب وبالأخص مواد الطاقة من غاز طبيعي وبترول (فأذكر هنا مشروع نابكو الذي توقف مؤقتًا بسبب الحرب السورية، والذي كان سينقل الغاز الطبيعي القطري إلى أوروبا عبر المتوسط)، أما في الإتجاه الثاني فسيتم تصدير المزيد من الأزمات السياسية والمشاريع المركبة. من هنا يأتي الخوف على الداخل اللبناني! إنَّ خطورة ما يحدث اليوم في الداخل اللبناني باطنة المعالم، لأنَّ الوطن إعتاد على التسويات، وساسته إعتادوا “شخصنة الطروحات السياسية”.
لم تكن شخصنة الطروحات السياسية ببالغة الخطورة في السنوات السابقة، فالوطن كان يعيش في ما يشبه عزلة التطوير السياسي، وكان مصير مؤسساته الديموقراطية لا يشكل الخطر الفعلي على مستقبل بقاء الجغرافيا اللبنانية كما هي. أما اليوم، فالواقع أصبح مختلفًا جدًا عن ما سبقه، ونوعية الطروحات السياسية أصبحت تهدد بقاء المؤسسات الدستورية، الأمر الذي يهدد مستقبل بقاء الوطن. ليس من المستغرب ربط مستقبل الوطن بالوضع الجيوسياسي في المنطقة. لذلك، فإنَّ الطروحات السياسية التي ستُطرح اليوم هي جوهرية ومفصلية في مستقبل الوطن وبقاءه. من هنا، وإنطلاقًا من وثيقة الوفاق الوطني، يجب تقديم الطرح النسبي بدوائر كبرى أو متوسطة كحل أوحد لقانون الإنتخاب، لأنَّ الهدف من هذا الطرح هو الإنتقال في ما بعد إلى قانون إنتخابات نسبي خارج القيد الطائفي. وإستكمالًا لحماية الداخل اللبناني وتحصين ساحته الداخلية، لا بُدَّ والتوجه مباشرة إلى إقرار تطبيق اللامركزبة الموسعة، وذلك إستنهاضًا للوضع الإجتماعي المتدهور، الإقتصادي المتعثر، بالإضافة إلى ماتحمله اللامركزية في طياتها من تحرير لفكر المواطن من التبعية السياسيّة وتجسيدها للديموقراطية ومحاربة الفساد. اليوم، بات الخوف على بقاء الوطن خوفًا حقيقيًا، والحاجة لقانون إنتخابات نسبي مُلِحة لا خيار، وكذلك الحاجة إلى تطبيق اللامركزية الموسعة وإنتخاب إدارات محلية في أسرع وقتٍ ممكن، لكي نقف وقفة تاريخية ننقذ فيها الوطن في ظل التفاهمات الجيوسياسية الإقليمية، قبل فوات الأوان.
بقلم: د. زكريا أحمد حمودان – لبنان