أحبطت السلطات التركية محاولة قطاعات عسكرية في الجيش الانقلاب على السلطة، بعد ساعات من صدور بيان باسم الانقلابيين أعلنوا فيه تولي الجيش السلطة، وسط وقائع دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 265 شخصاً، تخللتها صدامات عنيفة بين قطاعات غير متوافقة من الجيش، بمشاركة الاستخبارات والشرطة اللتين بقيتا متماسكتين دون انقسام بين موالين ومعارضين للمحاولة الانقلابية التي أدت بعد فشلها إلى توقيف عدد كبير من الضباط الكبار، بينهم الجنرالان في الجيش الثاني آدم هودوتي وعوني أنغون، وقائد الجيش الثالث الجنرال أردال أوزتورك، مع إعفاء 29 ضابطاً برتبة كولونيل وخمسة جنرالات من مناصبهم في الجيش، إلا أن المجموعة الانقلابية احتجزت قادة كباراً في الجيش رهائن، وسط قلق من طول فترة عدم الاستقرار نتيجة تورط عدد كبير من الدوائر العسكرية وهرب ثمانية منهم إلى اليونان، فيما بقيت القيادة السياسة على اتهامها الأول للداعية فتح الله غولن بالوقوف خلف المحاولة الفاشلة التي ما زالت تثير قلق السلطات التي وجهت نداء إلى الجماهير بالبقاء في الساحات تحسباً لـ«محاولات تصعيدية» جديدة.
وهزت انفجارات وأصوات إطلاق النار إسطنبول والعاصمة أنقرة في ليلة اتسمت بالفوضى، بعد أن سيطر جنود على مواقع في المدينتين، وأمروا التلفزيون الحكومي بتلاوة بيان أعلنوا فيه السيطرة على السلطة، لكن بحلول فجر أمس تراجعت فرص الانقلابيين في الاستمرار، مع تدخل قوي من قطاعات في الجيش ضدهم إضافة إلى الاستخبارات.
وأعلن رئيس الوزراء التركي إحباط المحاولة الانقلابية التي نفذها عسكريون متمردون وخلّفت 265 قتيلاً و1440 جريحاً على الأقل. وقال رئيس الوزراء بن علي يلديريم للصحافيين إن الوضع «تحت السيطرة تماماً»، لافتاً إلى حصيلة كبيرة من الضحايا بعد ليلة من المواجهات العنيفة في أنقرة وإسطنبول بين المتمردين والقوات الحكومية وعشرات آلاف الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع.
وأوضح يلديريم أنه تم اعتقال 2839 عسكرياً على صلة بهذه المحاولة التي اعتبر أنها لطخت الديمقراطية التركية، وأكد أن «هؤلاء الجبناء سينالون العقوبة التي يستحقون». وعلى غرار أردوغان، اتهم يلديريم الداعية فتح الله غولن المقيم في منفاه في الولايات المتحدة بالوقوف خلف محاولة الانقلاب.
وأعلن قائد الأركان بالنيابة الجنرال أوميت دوندار بدوره «إحباط محاولة الانقلاب». وبرغم هذا الإعلان، دعا أردوغان الأتراك إلى البقاء في الشارع، وكتب على «تويتر»: «علينا أن نبقى مسيطرين على الشوارع، لأنه ما زال من الممكن قيام موجة تصعيد جديدة».
وأدت المواجهات التي شاركت فيها طائرات حربية ودبابات إلى مشاهد عنف غير مسبوقة في أنقرة وإسطنبول منذ عقود.وواجه عشرات آلاف من الأشخاص رافعين أعلاماً تركية خلال الليل العسكريين الانقلابيين، فتسلقوا الدبابات المنتشرة في الشوارع، واحتشدوا في مطار إسطنبول لاستقبال أردوغان الذي قطع إجازته في منتجع مرمريس، للعودة على عجل إلى المدينة التي تعتبر معقله. وأردف: «سيدفعون ثمناً باهظاً لهذا. هذه الانتفاضة هي هدية من الله لنا، لأنها ستكون سبباً في تطهير جيشنا».
وتعاقب كبار القادة العسكريين، الذين يلزمون عادة التكتم الشديد ونادراً ما يتكلمون إلى الصحافة، على الاتصال طوال الليل بالمحطات التلفزيونية للتنديد بـ«عمل غير شرعي»، داعين الانقلابيين إلى العودة فوراً إلى ثكناتهم.
وقام نحو 200 جندي كانوا لا يزالون متحصنين في مقر رئاسة الأركان في أنقرة بتسليم أنفسهم لقوات الأمن التركية وفق وكالة الأناضول. وتوعد الجنرال دوندار «بتطهير الجيش من عناصر الدولة الموازية»، في إشارة إلى حركة غولن.
وظهر أمس توقف إطلاق النار المتقطع في إسطنبول وأنقرة، حيث عقد البرلمان التركي جلسة استثنائية. وألقت طائرة باكراً صباح أمس قنبلة قرب القصر الرئاسي في العاصمة، فيما قامت طائرات حربية من طراز «إف-16» بقصف دبابات للانقلابيين في جواره، بحسب الرئاسة. وأعلن أردوغان أن الفندق الذي كان ينزل فيه في مرمريس تعرض للقصف بعد أن غادره.
وقال وزير في الحكومة إنه في مرحلة ما أثناء المحاولة احتجز مدبّرو الانقلاب بعض القادة العسكريين رهائن. وعلى الرغم من أن بعض الجيوب المنعزلة للمتمردين لا تزال موجودة، فقد أعلنت الحكومة بحلول مساء أمس أن الوضع أصبح تحت السيطرة بالكامل، وقالت إن 2839 شخصاً اعتُقلوا بين جنود عاديين وضباط رفيعي المستوى، وبينهم من شكلوا العمود الفقري لمحاولة الانقلاب.
وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أن من بين من اعتقلتهم السلطات التركية القائد العام للجيش الثاني، وبذلك أصبح الجنرال آدم حدوتي أكبر مسؤول عسكري يتم اعتقاله حتى الآن عقب محاولة الانقلاب.
وقال مسؤول وتقارير إعلامية إن السلطات ألقت القبض أيضاً على قائد الجيش الثالث الجنرال أردال أوزتورك، وإنه سيواجه تهمة الخيانة بعد محاولة الانقلاب. وأضاف المسؤول أن أوزتورك تورط في مؤامرة الانقلاب. كما تم إعفاء 29 ضابطاً برتبة كولونيل وخمسة جنرالات من مناصبهم في الجيش. وتم إعفاء الأميرال هاكان أوستام من قيادة خفر السواحل.
واحتجزت السلطات اليونانية ثمانية عسكريين أتراك كانوا على متن طائرة هليكوبتر عسكرية تركية هبطت في مدينة أليكساندروبوليس شمالي البلاد، وأضافت أنهم طلبوا اللجوء السياسي.
في ليلة شابتها الغرابة في بعض الأحيان، استخدم أردوغان مواقع التواصل الاجتماعي للحديث إلى الشعب التركي – برغم عداوته المعلنة لمثل هذه التقنيات عندما يستخدمها معارضوه. واستطاع أردوغان أن يلقي خطاباً عبر خدمة اتصال بالفيديو، وظهر على شاشة هاتف محمول ذكي للمشاهدين. كما بعث الرئيس التركي برسالة نصية عبر الهاتف إلى الشعب يطالبه بالذود عن الديمقراطية والسلام.