بدايةً لا بد لي من توضيح مصطلح الحضارة للقارئ الكريم؛ فله تعاريف كثيرة وكثيرة، ربما أنسب تعريف للحضارة هو تعريف “ول ديورانت” حيث وصفها: بأنها محاولات الإنسان الاستكشاف والاختراع والتفكير والتنظيم والعمل على استغلال الطبيعة للوصول إلى مستوى حياة أفضل وهي حصيلة جهود الأمم كلها.
وعبر دراسات متعددة ومتنوعة جمع الكثيرون منا بين المدنية والحضارة، بيد أنني ألتمس سعة صدر القارئ لأميز حسب رأيي – الذي أُناقش فيه – بين المدنيّة والحضارة؛ فالحضارة تحمل نظرة متناسقة جامعة بين الإنسان وروحه وعقله، أما المدنية فربما صنعت طائرة وحملت قنابل وقتلت البشر، وهنا الفارق الكبير بين المدنية والحضارة.
ولعل تاريخ أمتنا حافلٌ بحضارة قل مثيلها؛ حضارة بعيدة عن استخدام القوة والبطش والظلم، وخير مثال على ذلك، ما قام به “عمر بن عبد العزيز” الخليفة الأموي، سنة/99هـ/ وهو الذي عرف بعدله وانتشر صيته في عموم الولايات، زاره وقتها وفدٌ من بلاد “سمرقند” وراء نهر “جيجون” ومن الطبيعي أنّ مجيء وفد من هناك يحتاج لشهورٍ من المسير، ولو لم يعلموا يقينًا بعدالة الإسلام لما جاءوا يشتكون من قائد جيش المسلمين آنذاك “قتيبة بن مسلم الباهلي” أنه دخل بلادهم دون إنذار، فما كان من “عمر بن عبد العزيز” إلاّ أن عين قاضيًا من “دمشق” جميع بن حاضر الناجي” وبعد التحقيق رفع القاضي تقريره إلى الخليفة “عمر بن عبد العزيز” وجاء فيه: نعم لقد دخل القائد ومعه جيش المسلمين إلى سمرقند دون إنذار أو تخيير أهلها بين الإسلام أو دفع الجزية!!”
عندها أمر الخليفة بأن ينسحب جيش المسلمين من سمرقند إلى أطرافها حيث كان من قبل.
ختامًا عند سلّم “غازان التتري” أسرى المسلمين لـ”ابن تيمية” في دمشق لم يقبل شيخ الإسلام، وقال:” جميع من معك من المسلمين واليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا”.
هذه نماذج بسيطة عن حضارة الإسلام ومدنيته، التي جمعت بين روح الإنسان وجسده وعقله، ويبقى أنّ المؤرخ الأوروبي “غوستاف لوبون” يقول في كتابه “حضارة العرب”: أنّ التّاريخ لم يجد فاتحًا أرحم من العرب.
بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى – كاتب وأكاديمي