بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى
من منا لا يريد العيش بسعادة؟ الجواب: لا أحد، لو سألنا الصغير والكبير: ماذا تريد؟ يقول لك: أريد العيش بسلام وسعادة.
وهنا نسأل أنفسنا: ما هي السّعادة؟، مما لا شك فيه أنّها مسألة نسبية، ولها الكثير من التعاريف؛ منها أنها شعور بالرضا والامتنان، وهي شعور داخليٌ يشعرُ الإنسانُ من خلالهِ بالرضا عن ذاته وعن حياته، وتكونُ نتيجةَ تفكيرِ الإنسانِ، وطموحهِ، وأهدافه.
فيما يرى “سقراط ” بأنّ السّعادة ليست في الحصولِ على المزيدِ مما نريد، بل بتنميةِ قدرتنا على الاستمتاع بما نملك وإن كان قليلًا. وهذا بطبيعة الحال يتطلب من المرء أن يكون قنوعًا، كما قال الشاعر:
هـي القـنـاعـةُ فالزَمْها تعِشْ ملكاً
لـو لم يـكـنْ منكَ إلاّ راحــةُ البدنِ
وأما أنا فأرى السّعادة طريقةَ التفكيرِ الإيجابية بكلّ شيءٍ في حياتنا، فالسعيدُ هو الذي يحولُ المأساةَ لفرصةٍ جديدةٍ؛ كمال قال ذلك الفيلسوف الذي حُرقَ بيُته، وفيه كلّ مستلزماتِه: حقًا إنها مأساةٌ، ولكنها بدايةٌ لشيءٍ جميل.
السّعيد هو الذي يتكيفُ مع الواقعِ، ويبني فوقه أحلامه وطموحاتِه، يحول فشله لفرصة كما فعل مخترعُ المصباحِ الكهربائيِّ “توماس أديسون” بعد فشل مئةِ محاولة له، قال: أنا لم أفشل، بل وجدتُ مئةَ طريقةٍ لا يمكنُ للمصباحِ العملَ بها.
السعيدُ من ينظرُ للوجهِ المشرقِ في الحياة وللنصف الملآن من الكأس؛ فإذا ما أعطاك أحدُهم ثعبانًا خذ جلده الثمين، وارم بجسده الرخيص، فلا شرّ بالمطلقِ، ولا خير بالمطلق، والسعيدُ فينا من يعرفُ خيرَ الخيرين فيتمسكَ به، ويدركُ شرَ الشرينِ فيبتعدَ عنهما.
نعم بإمكانك وأنت قابعٌ في سجنِك، أن تشعرَ وكأنك تشتمَ وردةً جميلةً، وتسكنَ قصرًا بهيجًا، وتحلقَ بخيالك أينما تريد.
ولعل ما سبق يقودنا لسؤالٍ آخر: هل المالُ جالبٌ للسعادة؟ المالُ ربما يجلبُ لنا جزءًا من السّعادة لا كلّها؛ والسعيدُ حقًا هو من يمتلك فنَ القناعةِ بما يملك؛ لأنّ الإنسانَ بطبعه كائنٌ اجتماعيٌ يحتاج للأصدقاء والزملاء حتى يحقق ذاته، وبالتالي يشعر بالسّعادة، وهذا لا يتحققُ إلاّ من ذات الإنسانِ، فالسّعادة قرارُك أنت؛ إما أن تصبح سعيدًا، وإما أن تستسلم لحياةِ البوسِ والاكتئاب، وعندها ستكونَ رقمًا على أبواب العيادات النفسية تنتظرُ دوركَ في العلاجِ.
ويبقى من أهم عوامل جلب السّعادة أن يساعد الإنسان من حوله من محتاجين؛ ماديًا أو معنويًا، كما يقول المثل الصيني: من يريدُ السّعادة لمدةِ ساعةٍ، فليأخذ قيلولةً، من يريدها لمدةِ يومٍ فليذهب للصيدِ، ومن يريدها لمدةِ عامٍ فليجمع ثروةً، من يريدُها طِوالَ حياتِه فليساعد الآخرين.
ويضاف لهذا أن يُدخل الإنسانُ لحياته جديدًا إيجابيًا كلّ أسبوعٍ أو شهرٍ أو عامٍ، وأن يبتعد عن الركودِ فلو كانَ فيه نفعٌ لما شاهدنا البحارَ تتحركُ بجمالها بين مدٍ وجزرٍ.
في الختامِ: الإنسانُ جسدٌ وروحٌ؛ فالجسد يريد الاقتراب من الأرض؛ لأنّه خلق منها، وهذا ما تؤكد عليه دراساتُ علمِ النفسِ التي تقول: “إن سيرَ الإنسانِ حافيَ القدمين على التراب يَسلبُ منه الطاقةَ السلبيةَ، بينما الروحُ تريد السّمو نحو العُلا” فإذا شعرَ الإنسانُ بالقلق فليبدأ رحلةَ البحثِ عن الذات، وهنا أختم حديثي على أمل أن يجدَ كلّ واحدٍ فينا ذاتَه ونفسَه، ويعيش بسعادة فهي التي تجعلنا حكماء.