بعد أن قطعنا نصف الطريق نحو 2030، يعترف العالم ويعيد تأكيد التزامه بخطة التنمية المستدامة لعام 2030، بالرغم من التحديات الجمة التي يواجهها العالم بأسره، ومن أهم تلك التحديات، هو السباق مع الزمن لتحقيق الأهداف المرجوّة جميعها. يتم ترجمة هذا الالتزام حالياً عن طريق تعزيز السياسات والإجراءات، ودعم القدرات الوطنية والمجتمعية، وتعبئة الموارد، وتحويل الشراكات في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. لعلها فرصة أن نتحد معاً لمعالجة التحديات واقتناص الفرص، والتي تتضمن (على سبيل المثال لا الحصر) الذكاء الاصطناعي، الاستثمارات المستدامة، تغير المناخ، الفقر، الجوع، الهجرة، الشباب وغيرها. لا بد من الاستمرار والمضي قدماً نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والنظر في بدء خطة التنمية العالمية لما بعد عام 2030. تعتبر الأهداف الإنمائية للألفية، هي أول برنامج تنمية عالمي اعتمدته الأمم المتحدة عام 2000، حيث كان طموح هذا البرنامج ذي الأهداف الثمانية، مثل الحد من الفقر المدقع بمقدار النصف، والإسراع بتعزيز الخدمات الصحية، وتطوير التعليم على مستوى العالم. وبالرغم من نجاح الأهداف الإنمائية للألفية، إلا أن هذا النجاح كان محدوداً.

تعد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والمعروفة بأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، أو خطة 2030، بمثابة دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر، وحماية الكوكب، وضمان تمتع البشرية بالسلام والرخاء – وقد تم اعتماد أهداف التنمية المستدامة، بأهدافها السبعة عشر، من قبل كافة دول الأعضاء في الأمم المتحدة، خلال الجلسة العامة الرفيعة المستوى للجمعية العامة في سبتمبر 2015. ويمكننا اعتبار خطة عام 2030 أكثر طموحاً، وأبعد مدى من الأهداف الإنمائية للألفية.

تمثل أهداف التنمية المستدامة، خطة شاملة لمواجهة تحديات عصرنا، دون إغفال قدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتهم. ومنذ اعتماد تلك الأهداف عام 2015، شهد عالمنا زيادة في التعاون الدولي، وإرادة لمواجهة التحديات العالمية. ومع كل ذلك، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة في أبريل 2023، تقريراً خاصاً بعنوان «التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة: نحو خطة إنقاذ البشرية والكوكب». وخلص التقرير إلى أن العالم قد خرج عن المسار الصحيح لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

من خلال مراجعة التقرير الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وتقرير أهداف التنمية المستدامة 2022، وبالوتيرة الحالية، يظهر بوضوح أن العالم يمر بمنعطف حرج. وأن المجتمع برمته يحتاج إلى تغيير جذري، وتحديد هدف مشترك وشامل. بناء على ما جاء في التقرير من بيانات، سيجد العالم صعوبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. نظراً لأن التحديات الرئيسة لا تزال قائمة أمام التقدم وتنفيذ خطة عام 2030، ومن الأمثلة على تلك البيانات والمواضيع، ما يلي:

1. الفقر: ازدياد عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر منذ عام 2020، والتوقعات لا تبشر بالقضاء على الفقر المدقع. فقد أدى «كوفيد 19» إلى التراجع ثلاثة عقود، بدلاً من التقدم، ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع لأول مرة منذ جيل. وبناءً للاتجاهات الحالية، سيظل 575 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع بحلول عام 2030.

2. تغير المناخ: فعلياً، يؤثر تغير المناخ في السكان والكوكب، ومع عدم تحقيق الأهداف، سيزداد الأمر سوءاً. وسيكون نقطة تحول في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، والتي تم تصميمها لحماية الكوكب وسكانه. لذلك، تعد الإجراءات والخطط الحالية لمعالجة تغير المناخ غير كافية.

3. الصراعات: في ظل الاضطرابات العالمية، يشكل الصراع تهديداً كبيراً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومع وجود (1.4) مليار نسمة يعيشون في بلدان متأثرة بالنزاعات، يعتبر ذلك عقبة ستؤثر سلباً في أهداف التنمية المستدامة.

4. التمويل: ومع فقدان التمويل العالمي، يعد التمويل عنصراً أساسياً لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. مع ذلك، ومع الاستثمارات الكبيرة، تأتي المسؤولية والمساءلة أمام من هم موجودون في السلطة.

5. التكنولوجيا: يمكن للتكنولوجيا أن تكون أداة فاعلة لتقديم تقارير عن التطورات الملحوظة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ستلعب التكنولوجيا دوراً مهماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، شرط أن تكون في متناول الجميع. وهذا الأمر غير متوفر حالياً، ما يخلق فجوة أوسع ما بين المجتمعات.

ومع الاعتراف بالجهود العالمية الرامية إلى تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتزام البلدان المستمر بتسريع الازدهار العالمي، والحرص على عدم ترك أحد خلف الركب، يحتاج العالم إلى البدء في تطوير خطة عمل للتنمية المستدامة القادمة. وقد جمعت أهداف التنمية المستدامة في القمة العالمية للحكومات 2023، قادة من الحكومات، وخبراء دوليين، لمناقشة مستقبل خطط التنمية العالمية ما بعد 2030.

وتحت عنوان «تشكيل مستقبل عالمنا.. الأهداف الإنمائية للألفية 2045»، يهدف هذا المفهوم إلى تطوير خطة مستقبلية، من خلال وضع الأسس لخطة التنمية العالمية لما بعد عام 2030. يجسد مفهوم «الأهداف الإنمائية للألفية 2045»، إلى تطوير برنامج تنمية شاملة ومتعددة، بحيث تكون قابلة لتحقيق الأهداف، طموحة، مرنة، مستدامة ومستقبلية، من خلال منهجية متعددة الجوانب:

– الإسراع بتنفيذ أكبر عدد من أهداف التنمية المستدامة، من خلال توحيد المجتمع العالمي في القمة العالمية للحكومات 2024.

– تفعيل برامج التسريع لمواجهة التحديات العالمية الحالية والمستقبلية، والتعلم من الدروس المستفادة، وخصوصاً تلك التي تخرج عن السيطرة أو التوقعات، مثل الصراعات والهجرات والكوارث الطبيعية وغيرها.

– الاستفادة من الخبراء العالميين في مختلف القطاعات، لإرساء ومناقشة خطط التنمية العالمية القادمة (2030-2045).

– الدعوة للبدء بتطوير خطة التنمية العالمية القادمة (2030-2045)، باستخدام أهداف التنمية المستدامة، والعمل ضمن منصة القمة العالمية للحكومات، كأساس للازدهار العالمي في المستقبل، ورسم خارطة طريق واضحة وفعالة، تضمن جودة الحياة والنمو الاقتصادي، وبتوازن لكافة الشعوب والمجتمعات، بما يضمن العيش الكريم للجميع.

يحتاج عالمنا إلى الاعتراف بأهمية إنشاء بنية تحتية لخطة التنمية العالمية المستقبلية. وتعد جلسات ولقاءات أهداف التنمية المستدامة 2045، ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات، فرصة هامة للمجتمع الدولي، للمشاركة في تصميم الأجندة العالمية لكافة دول العالم، والتأكيد على حرص خبراء العالم على فكرة التصميم التشاركي للأهداف، ومراجعة النتائج بصورة سنوية، وتغيير الأهداف ومؤشرات الأداء بناءً على الظروف والتغييرات العالمية. إنه من خلال التجارب والتعلم من الماضي، والعمل معاً من أجل المستقبل، بإمكان العالم توحيد الجهود، وتطوير برامج تنمية عالمية وشاملة، من خلال شراكات عبر الحدود.

بقلم: عبدالله ناصر لوتاه