|  آخر تحديث نوفمبر 19, 2021 , 0:09 ص

العملية بارباروسا.. الغزو النازي للسوفييت


العملية بارباروسا.. الغزو النازي للسوفييت



ما أن بدأت الحرب العالمية الثانية حتى أعلن هتلر في ( 23 نوفمبر ) بأن الحرب العرقية قد اندلعت وأنها ستحدد من سيحكم أوروبا ومعها العالم ، فمن تصوره أن من يسكن الإتحاد السوفييتي وجميع أوروبا الشرقية هم شعوب أدنى من الآرايين ويحكمها بلاشفة يهود متآمرون، وكان هدف هتلر هو قتل وترحيل واستعباد الروس وغيرهم من السكان السلافيين وإعادة إسكان الألمان محلهم.

 

وقد صورت الدعاية النازية الحرب ضد السوفييت على أنها حرب أيديولوجية بين الاشتراكية الوطنية الألمانية والبلشفة اليهودية، وأنها حرب عنصرية بين الألمان واليهود والغجر والسلاف الدونيين، وعدوا أعدائهم السوفييت بأنهم دون البشر ، ففي خطاب ألقاه الجنرال ” إريش هويبنر ” ، أن الحرب ضد السوفييت ” هي جزء أساسي من نضال الشعب الألماني من أجل الوجود الألماني ” ، فالدوافع العنصرية كانت أساسية في الأيديولوجية النازية ولعبت دوراً مهماً في التخطيط لعملية( بارباروسا ) ، عندما اعتبرت اليهود والشوعيين أعداء للدولة النازية.

 

بعد صعود هتلر للحكم، أصبح مبدأ نطاق الدولة المجال الحيوي مبدأ أيديولوجيا للنازية، ونظرية المجال الحيوي هي نظرية مستوحاة من علم الجغرافيا السياسية والتي تستند الى التحكم في توزيع سكان العالم حيث تقوم على أن الدولة كائن مكاني يرتبط مصيره بالمجال الأرضي وأن الدول من أجل بقائها لابد أن تتوسع في هذا المجال حتى ولو بالقوة وإلا سوف تنهار، وهو ما اتبعته ألمانيا النازية عند تولي أدولف هتلر للحكم، وهذا ما برره أدولف هتلر في توسعه في شرق أوروبا.
حلف مولوتوف:
في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، وجد أدولف هتلر أن العلاقة الأوثق يجب أن تكون مع الإتحاد السوفييتي نظراً لافتقار ألمانيا الى النفط، وفي الوقت ذاته كان الإتحاد السوفييتي يمتلك الموارد الطبيعية للعديد من المواد الخام الرئيسية الأخرى بما في ذلك الحديد والمنغنيز والمطاط والزيوت، كما أن الزيادات الهائلة في إنتاج الأسلحة والنقص الحاد في المواد الخام تسبب في تحول ألمانيا في عكس اتجاهها.

 

في 31 أغسطس 1939 ، وضع وزير الخارجية الألماني ” يواكيم ريبتروب ” خطة تتفق فيها ألمانيا والإتحاد السوفييتي على عدم التدخل في شؤون بعضهما، وأنه لا يوجد مشكلة بين بحر البلطيق والبحر الأسود، وتنطوي على التزام السوفييت بتسليم 180 مليون من الرايخ ماركس في المواد الخام استجابة للطلبات الألمانية، وما كان ذلك الا مقدمة لمخطط أكبر يهدف الى جر الإتحاد السوفييتي الى التوجه الاستراتيجي لأدولف هتلر .
ومن خلال حلف مولوتوف يتضح النوايا الحقيقية لأدولف هتلر من بناء العلاقات مع السوفييت والتي تؤكد الأهداف الاستراتيجية لهتلر:

 

1- تجنب المواجهة العسكرية مع الإتحاد السوفييتي.
2- دعم الاقتصاد الألماني عن طريق العلاقات الاقتصادية مع السوفييت.
3- الإستفادة من قوة الجيش الأحمر في احتلال الدول الأوروبية.
4- دخول الإتحاد السوفييتي في المحور .

 

في الساعة 3:15 فجراً من يوم 22 يونيو 1941 ، شنت ألمانيا هجوم هائل على الإتحاد السوفييتي في عملية سُميت ب ” بارباروسا ” . ليبدأ الهجوم بمشاركة 4.5 مليون جندي من قوات المحور و 153 فرقة للحملة احتوت على 104 فرقة مشاة و 19 فرق بانزر و 15 فرقة مشاة آلية مقسمة الى ثلاث مجموعات عسكرية بالإضافة الى تسع فرق أمنية، وقد جهزت الحملة بنحو 3,350 دبابة و 7200 مدفعية و 2770 طائرة وحوالي 600 ألف عربة وما بين 625000 – 700000 حصان .
حيث أعلن في صبيحة 22 يونيو خبراً في بث إذاعي معلناً خبر العملية ببعض كلمات هتلر : ” في هذه اللحظة تمضي مسيرتنا وتمتد، ومقارنة ما هو أعظم ما شهده العالم على الإطلاق، لقد قررت اليوم ان أصنع مصير ومستقبل الرايخ وشعب الرايخ في يد جنودنا، فليساعدنا الله في تلك المعركة ” ، وأضاف هتلر : ” قبل انقضاء ثلاثة أشهر من الآن سنشهد انهيار روسيا انهيارا لم يُرى مثله في التاريخ ” .
لم تتمكن موسكو من استيعاب حجم الكارثة التي واجهت قواتها في مناطق الحدود وحتى أن ستالين نفسه كان غير مصدقاً لما جرى ، وأعلن تعرض القوات السوفييتية للغزو، استطاع سلاح الجو الألماني الحصول على التفوق الجوي في جميع نطاقات مجموعات الجيوش في نهاية الأسبوع الاول، أدرك الألمان بعد مرور أربعة أسابيع أنهم استخفوا بقوة السوفييت، وكانت القوات الألمانية قد استخدمت امداداتها الأولية، وسرعان ما استنتج الجنرال بوك أن الجيش الأحمر لم يظهر كل قوته وازدادت الصعوبات الألمانية بسبب المشاكل اللوجيستية من التموين والذخيرة، وبدأت العمليات بالتباطؤ حتى يتم تزويد الوحدات بالمؤن اللازمة.
وجد قائد مجموعة الجيوش الوسطى ومعظم الجنرالات المشاركين، حول وجوب التوجه مباشرة نحو موسكو عوضاً عن القيام بعمليات في الشمال والجنوب لأهمية الاستيلاء على العاصمة حيث أن موسكو هي مركز رئيسي لإنتاج الأسلحة ومركز عمليات النقل واتصالات السوفييت، حيث أن الجيش الأحمر الجزء الاكبر منه تم نشره بالقرب من موسكو، إلا أن هتلر لم يقتنع بذلك وأصدر أوامره بإرسال دبابات مجموعة الجيوش الوسطى الى الشمال والجنوب.

 

استطاع هتلر أن يسيطر على مساحات شاسعة في أوروبا في بداية الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر 1939 ، بغزو بولندا وحتى 14 يونيو 1940 الى العاصمة باريس ، في فترة لا تتجاوز 10 أشهر، وبالرغم من ذلك كان مسألة غزو الإتحاد السوفييتي مسألة مختلفة تماما، بالنسبة للإتحاد السوفييتي فقد لعبت المساحة دوراً هاماً في التأثير على معطيات العمليات العسكرية، حيث أن المساحة الإجمالية للإتحاد السوفييتي بلغت 22.276.060 كيلومتراً مربعاً ، وبالتالي فإن الإتحاد السوفييتي كان أكبر دولة في العالم ، كما أنه كان له أكبر حدود في العالم والتي بلغ طولها حوالي 60.000 كيلومتر.

 

لذا نجد أن أسباب فشل الغزو النازي على السوفييت:

1- تفوق مساحة الإتحاد السوفييتي على مساحة جميع الدول التي أسقطها الجيش الألماني.
2- تباعد مراكز الأهداف ، حيث أن الاجتياح الألماني انقسم الى ثلاث مجموعات، مجموعة الشمال لإسقاط لينينغراد، ومجموعة الجنوب لإسقاط ستالينغراد، ومجموعة الوسط لإسقاط العاصمة موسكو.

 

وقد مثلت المناطق الغربية للإتحاد السوفييتي هدف استراتيجي واضح لأدولف هتلر في السيطرة عليها وتسخير مواردها الطبيعية في حروبه على أوروبا.

 

كانت السيطرة على لينينغراد أحد الأهداف الاستراتيجية الثلاثة في عملية بارباروسا، وترجع أهميتها لقوتها الصناعية حيث تضم العديد من مصانع الأسلحة.
الخطأ الاستراتيجي لأدولف هتلر يكمن في تشتيت قوة العملية على ثلاث مراكز استراتيجية متباعدة جغرافيا الذي ساعد في نجاح المقاومة السوفييتية، فمن المنطق العسكري كان ينبغي أن يتم إسقاط موسكو أولا والتي تمثل القيادة العليا للسوفييت ومركز القرار السياسي والعسكري، وبهذا يضمن الألمان السيطرة على العاصمة ومنها تصبح كقاعدة تنطلق منها الحملات العسكرية نحو ستالينغراد ولينينغراد.

 

إن الجيش السوفييتي أثبت جدارته في مواجهة الغزو النازي والسبب الرئيسي لفشل ألمانيا عسكريا في عملية بارباروسا هو عدم استعداد ألمانيا العسكري مقابل الإتحاد السوفييتي.
النتائج:
نجح هتلر في تجنيد الإتحاد السوفييتي في استراتيجية ألمانيا النازية القائمة على نظرية المجال الحيوي من خلال اتفاقية ” مولوتوف ” القائمة بالظاهر على منع الاعتداء، والعلاقات الاقتصادية، وبشكل مبطن على تقسيم الأراضي الأوروبية.
2- موقف الإتحاد السوفييتي يعيق تطبيق المجال الحيوي لألمانيا النازية وظهر تجاوب السوفييت لحلف ” مولوتوف ” على أرض الواقع.
3- كانت السوفييت مصنفة كأحد أهداف المجال الحيوي لهتلر قبل التحالف، وتغيير موقف ألمانيا لم يكن بسبب مواقف السوفييت بل بسبب دوافع ذاتية لهتلر ومبررات غير مثبتة من وجهة نظر القيادة الألمانية.
4- مؤشرات الواقع العسكري السوفييتي كشف مظاهر الضعف والتشتت وتراجع الاستعداد لدى الجيش الأحمر مما عزز من دوافع هتلر لاحتلالها.

 

5- الحجم الاستراتيجي للإتحاد السوفييتي كهدف كان أكبر من قدرات الجيش الألماني النازي .
6- مواجهة ألمانيا للسوفييت عسكريا كان أحد أسباب هزيمتها في الحرب العالمية الثانية حيث أن هذه العملية تسببت في دخول السوفييت للحرب ودفعه لتنفيذ هجوم مضاد بعشر عمليات سُميت بضربات ستالين العشر وتسببت في إسقاط برلين.
لقد أظهر حلف مولوتوف الموقف الإيجابي بين السوفييت وألمانيا وعدم وجود أي توجه لكلا الطرفين في المواجهة العسكرية( على الاقل ظاهريا ) ، إلا أن كل جانب كان يشك بنوايا الطرف الآخر، وحتى مع الشكوك لدى الجانب السوفييتي لم يبدر منها اي حركات استفزازية او عمليات عسكرية، فقد كان جوزيف ستالين يرفض التحذيرات التي كانت تأتيه من جهاز الاستخبارات لأنه اعتقد أنها معلومات بريطانية مسربة لاشعال الحرب بين ألمانيا والإتحاد السوفييتي، وقد قام الجاسوس ” ريتشارد سورج ” باعطاء ستالين وقت بدء العملية إلا أن ستالين كان مؤمنا بأن الرايخ الثالث لن يقوم بأي هجوم لانه لم يمضي سوى سنتين على توقيع معاهدة ( فولوتوف- ريبنتروف ) ، وكان يعتقد بأن على ألمانيا أن تنهي حربها مع بريطانيا أولا، ويعتقد المؤرخون أن ستالين كان يتجنب الحرب مع ألمانيا، لأنه يعتقد بأن جيشه ليس مستعداً لمحاربة القوات الألمانية، اما من ناحية أدولف هتلر فالأمر مختلف فقد صرح عن نيته غزو الإتحاد السوفييتي في ( 11 أغسطس 1939 ) .
وهنا يظهر سؤال مهم ومنطقي :

” في حال تجنب أدولف هتلر لعملية غزو السوفييت ، هل كان هناك فرصة لألمانيا في كسب الحرب العالمية الثانية كسيناريو محتمل؟ .

 

بحسب الدراسات كانت خسائر ألمانيا في معركة موسكو تتراوح بين 248000 و 400000 جندي، وخسائر سوفييتية من 650000 و 1.280.000 جندي .
بعد فشل معركة موسكو، بدأت مراجعة جميع الخطط الألمانية لهزيمة الإتحاد السوفييتي، فقد تسبب الهجمات السوفييتية المضادة في ديسمبر 1941 ، بوقوع خسائر فادحة لكلا الجانبين، ولكنها أدت في النهاية الى القضاء على التهديد الألماني لموسكو.
ونفذت الشرطة الألمانية والقوات العسكرية جرائم منظمة ضد المدنيين بمن فيهم النساء والأطفال، حيث قامت بمذابح كبيرة لليهود والشيوعيين في الأراضي السوفييتية المحتلة، أما مواطنوا لينينغراد فقد تعرضوا لحصار وقصف عنيف استمر 872 يوماً فمات أكثر من مليون شخص من الجوع ، منهم حوالي 400.000 طفل دون سن 14.
اعتبرت عملية بارباروسا بأنها أكبر عملية عسكرية في التاريخ البشري، فقد نشر فيها أكثر عدد من الرجال والدبابات والذخيرة والطائرات أكثر من أي وقت مضى في هجوم واحد .
تسبب فشل عملية بارباروسا في اخفاق ألمانيا في تحقيق أهدافها وبالتالي تغيير المشهد السياسي لأوروبا.

 

 

 

 

بقلم: فاتن الحوسني 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com