منذ بدء استخدام الغارات الجوية، قبل قرن من الزمن، والمحللون الاستراتيجيون العسكريون يميلون للتوهم بأن القصف من الجو يمكنه وحده ضمان النصر في الحروب.
ويشير وهم القوة الجوية اليوم إلى أن إسقاط ما يكفي من القذائف على «داعش» في كل من العراق وسوريا سيفي بالغرض، في مقاربة مزدوجة بل ومتعددة الجنسية تشكل حلم يقظة مشتركاً بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وكل من المرشحين الرئاسيين هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب وتيد كروز، إضافة إلى بريطانيا وفرنسا. إلا أن التاريخ العسكري لا يبرر كثيراً مثل هذا المبدأ.
في عام 1918، أعلن الجنرال بيلي ميتشيل، الذي يعتبر بمثابة الأب للسلاح الجوي الأميركي: «لقد ولى الزمن حين كانت جيوش المشاة، أو القوات البحرية يمكن أن تلعب دور الحكم النهائي في تحديد مصير الدول في الحروب. وقد انتقلت القوة الدفاعية الأساسية وقوة المبادرة ضد العدو إلى المجال الجوي».
وقد كان ميتشيل ومناصرو الضربات الجوية الآخرون على اقتناع بأن قاذفات القنابل، على وجه التحديد، أسلحة عجائبية قادرة على كسر إرادة العدو. وأشارت توقعات المحلل الاستراتيجي الإيطالي البارز جوليو دوهيت في هذا الإطار إلى أنه: «لا يمكن استمرار وتيرة الحياة الطبيعية في ظل التهديد الدائم للموت والدمار المحدق».
وتجلت حدود القوة الجوية مجدداً في فيتنام، وقصفت أميركا قذائف في حربها على فيتنام أكثر مما فعلت خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن فيتنام الشمالية حققت انتصاراً على أي حال.
وفي الآونة الأخيرة، ردد صدى تصريحات لو ماي المرشح الرئاسي دونالد ترامب الذي تعهد بقصف تنظيم «داعش» حتى إنهائه، كما قال المرشح تيد كروز: «سنعمل على القضاء على (داعش) تماماً. سوف نمشطهم بالقذائف ونبيدهم من الوجود. لا أعلم ما إذا كانت الرمال تضيء في الظلام، لكننا سنكتشف ذلك».
تضمن كلام كروز تلميحاً مروعاً لاقتراح استخدام الأسلحة النووية ضد تنظيم «داعش»، لكنه بالكاد يعتبر عملياً، سيما في ضوء حرص أميركا القوي في الحفاظ على معيار عالمي يخلو من استعمال السلاح النووي.
لا يملك تنظيم «داعش» بنية تحتية صناعية أو جيشاً يقود الدبابات في الصحراء، التي يمكن التخلص منها. ويختلط المتشددون بأبناء الشعوب الذين يمارسون الإرهاب ضدهم، ومن المرجح أن يساهم قتل المدنيين في إنتاج المزيد من الإرهابيين، بدلاً من الحدّ من وجودهم.
لم تنجح القوة الجوية الأميركية ضد «داعش» حتى الآن، إلا في أماكن محددة مثل سنجار وبلدة عين عرب، حيث دخلت على خط الاشتباكات قوات مشاة فاعلة على الأرض تتألف بغالبيتها من الأكراد. وتؤكد هذه الحقيقة الدروس المستقاة من حروب كثيرة، حيث لم تتمكن القوات الجوية من حسم النتيجة، إلا بالتزامن مع قوات المشاة الفاعلة على الأرض، سواء أكانت أميركية أم محلية.
هناك اتجاه نحو تصعيد الحملات الجوية ضد «داعش»، إلا أن ذلك يتطلب إرسال مراقبين جويين تكتيكيين إلى أرض المعركة، لاستدعاء الضربات الجوية بشكل دقيق، وهو ما رفض أوباما القيام به حتى اليوم. لكنه إذا فعل، فإن تدمير «داعش» يتطلب قوات فاعلة على الأرض، ونظراً لعجز أميركا عن تجنيد ما يكفي من العناصر بالوكالة في سوريا والعراق، فمن المرجح أنها ستحتاج لإرسال جنودها على الأقل.
وتشير الاستطلاعات إلى أن غالبية الأميركيين يدعمون اليوم استخدام قوات المشاة ضد «داعش»، خلافاً لإصرار أوباما على الرفض وقوله:
«ينبغي ألا ننجر مجدداً إلى حرب ميدانية مكلفة طويلة الأمد». ما من أحد يرغب بخوض «حرب ميدانية مكلفة طويلة الأمد»، لكن كما في الماضي القوة الجوية وحدها لا تحسم الفوز بالحرب. وكل محلل استراتيجي في الإدارة الأميركية أو مرشح للرئاسة يدعي عكس ذلك، فهو ليس جاداً حيال تحقيق النصر.