|  آخر تحديث مايو 2, 2019 , 4:39 ص

روان سالم | تكتب : “أكذوبة العصر”


روان سالم | تكتب : “أكذوبة العصر”



كل يوم يمر على هذه الأرض يشهد العالم فيه تطورا هائلا في شتى المجالات , تطور هائل فاق كل توقعات البشرية , مهام أصبحت تنفذ في أقل من ثانية , لم يخطر ببال بشر ان تحدث يوما ما , وفي خضم هذا الصراع المعرفي الخطير , وتنامي وتيرة المعرفة والتقنيات , و تطور العالم الافتراضي يوما بعد يوم , أصبحنا نحن كبشر واقعين تحت رحمة سكين مواقع التواصل الاجتماعي أو ما أفضل تسميته بـ ” أكذوبة العصر ” والتي تمثل جزء ليس ببسيط في عالم الشبكة العنكبوتية المعقدة . يوما بعد يوم يزادد عدد الأشخاص في لائحة المتابعين وقائمة الأصدقاء ويزداد معها تلقائيا عدد المشاهير والمدونين الذين نتابعهم بحماس شديد في كافة المجالات , ويوما بعد يوم ندرك ما لم نكن ندركه يوما , ونسافر ونحن مسترخون على أسرتنا الى كل بقاع العالم من خلال ما نراه من مقاطع مصورة بأعلى وأكفأ التقنيات , والتي تشعرك حقا انك جزء لا يتجزأ من تلك الصورة المتحركة , والتي في الحقيقة قد يبعد مكانها عنك ربما ملايين الكيلو مترات.

 

لكن من يصلح لنا ما أتلفته هذه التقنيات الحديثة على حياتنا ؟ ومن يعالج المشكلات الاجتماعية الي تعاني منها أوطاننا بسبب المقارنات المستمرة مع ما نراه على هذه المواقع الافتراضية ؟ ان مقالي اليوم لا يهدف ابدا الى ذم التقدم التكنولوجي أو ذكر محاسنه ومميزاته، لأنني سبق وناقشت هذا الموضوع في مقال سابق ,  وبالتحديد ناقشت موضوع التأثير الايجابي والسلبي لشبكة الانترنت على البشر من الناحية الإجتماعية , ولكني في الحقيقة أودت ان اسلط الضوء اليوم على هذا العالم المزيف الذي يتضخم يوميا تاركا في نفوسنا ربما حسرات على ما لم نعشه , وما لم نجربه وكان من نصيب الاخرين، وهنا تبدأ مجموعة من التساؤلات العميقة تتسلل الى أذهاننا التائهة . سأحاول عزيزي القارئ ان انتقل بك الى صورة اكثردقة، واكثر تحديدا لعالم مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد على المقاطع المصورة والصور والبث المباشر والعديد من المميزات، في الحقيقة ان وطننا العربي يعاني من تخمة معلوماتية حقيقية، واقصد بالتخمة هنا الكم الرهيب من المدونات و المدونين , ذكورا كانوا أم إناثا او ما يسمى بالـ (بلوجرز )، ومعنى كلمة بلوجر او مدون ببساطة هي ان تكون ناشط على شبكة الانترنت تتبنى فكرة معينة للمتابعين الذين يودون متابعتها، سواء أكانت هذه الفكرة متعلقة بالجانب المعرفي، الاجتماعي، الترفيهي او بالطبع الاكثر شيوعا بين الفتيات وهو الجانب المتعلق بالجمال والموضة ايا كان محور التركيز ، الآن أعتقد اني نجحت في إعطاءك صورة كاملة عن ما أود توصيله، هيا بنا لننتقل الى صورة أكثر دقة، نرى فيها مدونين عرب نساء كن او رجالا كما ذكرت , يشاركون لحظاتهم المفضلة مع متابعينهم طوال اليوم ولنركز كثيرا على عبارة ” طوال اليوم ” ! وينقلون لهم حياتهم بكل ما فيها عبر بضع مقاطع مصورة تظهر فيها فخامة الاثاث والمنزل الذين يقطنون فيه , والخدم والسيارات والمجوهرات الفارهة، وعدد كبير من البنين والبنات , وعناصر كثيرة أخرى لهذه الحياة المرفهة و التي تشعرني شخصيا انهم يعيشون في عالم آخر يختلف كثيرا عن عالمنا، حتى مشكلاتهم التي يعرضونها تشعرني أحيانا بالضحك , نظرا لكونها مشكلات لا تمثل عشر المشكلات الحقيقة التي يواجهها أطفالنا في فلسطين واليمن وبلاد المسلمين التي تمر السنون مسرعة دون أدنى حل لها، والتي تشعر المتابعين من ناحية أخرى و ليس الكل بالطبع بل المعظم بالنقص و الحرمان والعجز , خاصة بعض المشاهير الذين يتفاخرون بما أعطاهم الله بغرض الدعاية والشهرة والوصول الى القمة .

 

ما يحدث لنا بعد مشاهدة هذه الحيوات الفاخرة واسلوب الحياة المرفه هو الشعور المتواصل بعدم الاكتفاء سواء المادي , الاجتماعي , العاطفي او حتى الثقافي , و هذا السباق الحادث في مضمار مواقع التواصل الاجتماعي واقصد هنا كلمة ” السباق ” بشكل حرفي ومقصود , يشعرنا بأننا علينا الركض بأسرع ما أوتينا من قوة لاجتياز حواجز الحياة، وربما للتفوق على حياة من نراهم وليس التفوق على أنفسنا , سباق دائم في صالات الجيم والالعاب الرياضية للحصول على جسد ممشوق كالمدونة كذا , او نقود لا حصر لها لزيارة اروع دول العالم كالمدون كذا، وسباق للحصول على فارس الاحلام المنتظر كالمدونة كذا, وأمثلة لاتعد ولا تحصى من جوانب الحياة التي نراها ويفتقدها الكثيرون محاولين حجز مكان لهم على الخريطة. ان ما أريد الوصول اليه في مقالتي هذه هو هدف ف غاية الاهمية وهو ان لا نجعل هذه الحياة المزيفة التي نراها على مواقع التواصل أساس لحياتنا، وان ما نراه من هؤلاء المشاهير ليس الا جزء صغير فقط من حياتهم , وبالطبع فإن هدفهم الرئيسي هو الدعاية والشهرة،، فهم لا يظهرون الينا كمتابعين كم العقبات التي اجتازوها للوصول الى الهدف المرغوب , ولا يظهروا بالتالي ما يعانون من مشكلات عصيبة كضريبة لهذه الشهرة المزيفة , فأنا واحدة من بين كثر اتابع وبشدة هذا العالم حتى شعرت ان بعض من أتابعهن غير جديرات بالمتابعة , ليس لنقص فيهن , بل لأننا بشر , وطبع الانسان هو الرغبة المتواصلة في ان يصبح االأفضل , الى ان اكتشفت ان بعض هذه العوالم لا تناسبني ولا تناسب هويتي وحياتي وان كل ما يهم البعض هو اظهار حياة الترف التي يفتقدها الكثير في أوطاننا فلما كل هذا التفاخر وكلنا سواسية أمام المولى وان عملنا الصالح هو كل ما سيبقى لنا من هذا العالم الفاني ؟

 

أختي القارئة , واقول أختي لأنني مدركة تمام الإدراك ان أكثر قرائي هن من الجنس اللطيف , فلا تغريكي هذه الحياة , خذي منها ما يناسبك وما يناسب ظروفك الخاصة، ولا تنسي ان الدعاية وعرض خصوصيات الحياة أصبح ” بيزنس ” هام في هذه الايام وهو أرخص أنواع ال ” البيزنس ” في وجهة نظري ولكنها أسرع الطرق للوصول الى القمة , توقفي عن مقارنة حياتك التي تظنينها بائسة في بعض الاحيان بحياتهم , فإن نظرت لحياتك الخاصة من زاوية أخرى ستدركين كم النعم التي تملكينها انتي ويفتقدها كثر , تذكري دائما ان من قال ان القناعة كنز لا يفنى لم يخطئ يوما وانها ان تملكتك جعلتك أسعد النساء على الاطلاق , ثابري وحاولي الوصول لهدفك الخاص وليس ما يسعى الاخرون للوصول اليه , وأخيرا , تذكري انك نسختك الوحيدة , وحياتك لم ولن تتكرر , كوني عالمك الخاص , فقط كوني انتي ولا تعطي فرصة مهما كانت لأكذوبة العصر ان تؤثر على حياتك او تشعرك بالنقص و العجز لانها ببساطة ” أكذوبة العصر “.

 

 

بقلم: روان سالم – (مصر)


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com