بقلم: خالد عزب – مصر
صدر عن بلدية دبي كتاب “بيت السعف.. في دولة الإمارات العربية المتحدة” الكتاب من تأليف عبد العزيز الشحي، وشارك في مراجعته عدد من الباحثين منهم المهندس رشاد بوخش، وقدم الكتاب المهندي حسين ناصر لوتاه مدير عام بلدية دبي جاء فيها:
بيت السعف… اسم خلده تراثنا العريق، وحوته ذاكرة الأجداد والآباء، واحتضنته قلوب الذين يحنون إلى الماضي حنين الإلف إلى أليفه.
إنه بناء تَتَعززُ ذاكرته اليوم في نماذج بنائه هنا وهناك، وتُسطر ذاكرته في الدواوين وصحائف النشر المقروء، والإعلام المرئي والمسموع، ليذكر القلوب بنمط بنائه ودفء أفيائه، وزمانه الذي كان فيه للنفوس سلوة، وللأرواح بهجة، وللقلوب المكدودة راحة بال، ذكريات تسير بنا في خطى ماضي الزمان الآسر، ببناء بيت السعف سكنًا للقاطنين في المدينة! في ساحاتها المفتوحة، أو بانتقالهم من بيوت المدر إلى سهول الرمل والشجر، حيث تُنصب عُرُش القيظ في أيام المقيظ، في أيام حلوة تُسر فيها النفوس وتبتهج الأرواح، وتتخفف فيها من جو المدينة وأعبائها، لقد ألفته النفوس هنا في سوح المدينة، أو هناك حيث صرحه المشيد فوق الرمال الذهبية، حيث أشجار النخيل يانع ثمرها، والآبار عذب ماؤها، والهواء العليل يتخلل ما بين فتحات الخوص أو الجريد في قائلة النهار غادية رائحة، تارة في نسيم البر العابر، وتارة في نسيم البحر المسافر، وكأنها تقول للقاطنين هنيئا لكم ما أنتم فيه من راحة بال، وصفاء نفس، وأنس بجمال الحياة وهنائها.
ولعل هذا الكتاب الذي تصدره إدارة التراث العمراني يعطينا فكرة عن نوع من أنوع البناء الذي كاد أن يختفي، ويجلي شيئا من صورة بيت السعف الذي هو أحد ميراثنا العريق الذي نعتز به أيما اعتزاز.
المؤلف بنى مادة كتابه بصورة بحثية استقصائية فعرف بيوت السعف أنها تعد بناء بيوت السعف نمطا معماريا اختص به سكان دول الخليج العربي وبعض أقطار العالم العربي والإسلامي، وعلى وجه الخصوص في دولة الإمارات العربية المتحدة لما يمثله من نمط معماري تقليدي موغل في القدم.
وقد انتشر هذا النمط من البناء في المناطق الداخلية والمناطق الساحلية، إلا أن له خصائصه التي تميزه عن بقية أنماط الأبنية المعمارية التراثية من حيث الشكل والمواد المستخدمة وسهولة البناء وتكلفته المادية، وربما عامل الجو من الحرارة الشديدة والرطوبة العالية التي تميزت بها المنطقة، بالإضافة إلى توفر المواد التي تستعمل في بناء بيوت السعف بأنواعها، إلى جانب رخص البناء الذي لا يشكل تكلفة مادية كبيرة وبمقدور متوسط الدخل أو الفقير بناء بيت السعف، ولا يشكل عليه عبئا ماديًا يذكر، وسوف نوضح ذلك حينما نتطرق إلى تكلفة البناء، كما أن العزل الحراري لبيوت السعف في الصيف أو البرودة في الشتاء يعد عامل مرجحا لانتشار هذا النمط المعماري في الدولة.
وأعطانا لأول مرة وصف لبنائها على النحو التالي حيث يذكر الناس في الإمارات إلى بناء بيوتهم من جريد النخل على حسب احتياجاتهم الموسمية، إما الصيفية أو الشتائية فبعضها يبني ليبقى طوال السنة، وتستعمل في بناء بيوت السعف طريقة تسمى (الزفانة) وهي تعد نمطا مستقلا في عملية ربط سعف النخل المجرد من الخوص والشوك، ومؤخرة السعفة تسمى (الكربة) تبدأ العملية من قص الخوص اليابس من النخلة بعملية التجريد (التيريد) التي يقوم بها مزارعو النخل في شهر يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) من كل سنة لتنظيف النخل والحفاظ على شكلها ومظهرها الجيد، والذي ينم عادة على اعتناء صاحبها بنخله والمحافظة عليه، فيؤخذ السعف اليابس (الجاف) بعد ذلك لاستخدامات وصناعة محلية عدة ومنها على وجه الخصوص صناعة الدعون، فيؤتي بالسعف اليابس ويغمر بالماء لمدة يوم أو يومين وتسمى هذه العملية بعملية (التوريد) حتى يلين الجريد لتسهيل عملية زفن الجريد وربطه بعضه ببعض، حيث يقسم الجريد إلى مجموعتين متساويتين، ويجتمع على تصنيعه عدد من الرجال، بحيث توضع نهاية كل قطعة من المجموعة الأولى بخلاف نهاية المجموعة المجاورة لها من المجموعة الثانية، ويبدأ الرجال بربطها بعضها ببعض بحبل الكنبار حتى ينتهوا من ذلك مشكلين الدعن (المزفن) علما أن الدعون هي أساسات بناء الجدران والسقف، بالإضافة إلى جذوع النخل والأشجار المحلية كالقَرَظَ (القرط) والسدر والشريش….، ثم تشد عليها الدعون، علما أن الدعون أحجام وأطوال وكل ذلك يعود على من قام بالزفن.
وقد استعمل الناس في بناء بيوت السعف أدوات متعددة كالإبرة الكبيرة المعروفة باسم (الدفرة) والمنجل المعروف باسم (الداس)، أما المواد المستعملة في البناء فتكون من حبل الكنبار وسعف النخل وجذوعها وخوصها وليفها أو جذوع الأشجار المحلية كما في الصور التالية.
وعدد أنواع بيوت السعف واستخداماتها على النحو التالي:-
الغرفة
يراعى في بنائها ما يراعى في بناء بيت العريش من الحرص على التهوية وتخفيف شدة حر القيظ على ساكنيه، وتتكون من دورين يعلو أحدهما الآخر يوصل بينهما درج خشبي داخلي، ويراعى في بناء الغرفة المكان فلا تطل على الجيران، وكذا اتجاه الريح، كما أن سقفها يكون مسطحا ويبقى قائما في بنائه إلى نهاية فصل الصيف، ثم يعمد إليه فيزال وقت الشتاء.
عريش مخيد
يقسم جريد النخل إلى قسمين في بناء الخيمة المخيدة فيكون القسم السفلي جريدًا منزوع الخوص مرصوصاً مع بعضه بعضا، والجزء العلوي الجريد بخوصه، حتى تمر من خلاله نسمات الهواء فيبرد المكان، وهذا النوع من البناء السعفي معروف عند أهالي الإمارات الشمالية.