لو أننا لا ننساق ُ إلى واجباتنا وما تُمليه علينا الحياة من مُتطلبات عدَّة، لما أهدتنا الحياةُ فيضاً من عطائها أبداً! إنها بِلا شفقه؛ تهبُ نفسها لمن أرادها وحسب! ومن أدبر َ عنها ستدبرُ عنه بلا نظرة ندم. نحنُ ننساق ُ إلى واجباتنا كما تنساق الدنيا بأجملها إليها منذ شروق الشمس؛ تنساق الطيور المُهاجرة نحوها أو تلك المُحمَّلة مع الريح إليها أسرابَ أسراب، أو تلك الأخرى المُغرِدَّة بحبها بإنشراح، الرياح ُ عندما تبدأ بالسكون حولها، ونباتُ دوّار الشمس عندما يلتفُّ منساقاً نحوَ نورها، إنها فِطرة ٌ خُلقنا عليها منذ الأزل بإنسياقنا إلى ما نرنوا إليه!!
حُبنا لأنفسنا وشغفنا اللامتناهي للحياة من أجلها هو ما يدفعنا للنهوض من أسرَّتنا كلَّ صباح والإنسياق نحوَ نورِ عطاء ٍ يجذبنا كما تفعل كافّة المخلوقات على وجه هذه الأرض، وإعطاء ِ صورة ٍ فُضلى عنّا كَبشريّة ٍ مُفعمة ٍ بالحياة وحبٍّ للعمل.
ما لم تفعلهُ أنت لنفسك لن يفعله أحدٌ لك، وما دُمت منساقاً نحو نور الشمس فستهبك الشمس نورها أينما حللت لتحلَّ في قلبك ولتحلَّ أنت النور لمن حولك! قد لا تجري الرياح كيفما اشتهت سُفنك ولكنك قد تحمل الرياح في جوفك مُسيّراً إيّاها كيفما أردت؛ إنها بضعُ قواعد مُبسطّة عن نظريات ِ هذا الكون، فإن لم تحملك الرياح ولا السفن، وإن لم تستقبلك الموانىء ولم تجد موطئاً تأوي إليه؛ فكن أنت نفسك الشاطىء والبحر، واصنع من جميل نفسك لنفسك مدّاً وجزر، واحمل الأمنيات في جوفك وأبحر بها، محارباً عواصف قد تهوي بك وبها، ولكن لا بأس المهم أنك ما زلت تنساق نحو نور الشمس والحقيقة وما زالت الدنيا لم تظلم بقلبك، حتّى وإن فارقتك روحك أثناء واحدة ٍ من تلك الرِحل التي أسقطْت بها نفسك رُغماً عنها فستفارق هذه الدنيا وإيمانك بأن السعيَ إليها غايةٌ عُظمى أمرٌ يغشاك، فضلاً عمّا حملته من أحلام وأمنيات ٍ وإيّاك، وكأنك متَّ في جوف العالم ولكن العالم لم يمت في جوفك أبداً، وكأنك فارقت نور الشمس ونور الشمس ينبثق ُ مما تركته خلفك بإشراق ٍمُبهر ٍمن فعل طيبك وفحواك!!
بقلم: #رنا_مروان – ( الأردن )