|  آخر تحديث مايو 28, 2017 , 19:54 م

“يوميات وطن جريح”


“يوميات وطن جريح”



علی تلة.. كان يتهادی متثاقلا بين نبتات الحرمل التي تتناثر بين قبور من رحلوا … يرقب بعينيه الحزينتين حواري البلدة التي اصبحت خاوية علی عروشها … فلا المؤذن يصدح بصوته الرخيم .. ولا الاولاد بصخبهم يملؤون البلدة بالحياة…

كل شيء صامت ..كما القبور التي غذت نبتات الحرمل من بقايا اصحابها ..
تبدو نبتات الحرمل شاحبة كما لو انها سترحل …لونها الاخضر الباهت يبعدها عن بريق حياة الاخضرار التي كانت تكتسي به البلدة يوما ما..

تشرف التلة علی كل حواري البلدة .. التي اصبحت ساكنة تماما كما القبور التي يقف بينها…
منذ شهر فقط.. كانت حتی المقبرة تضج بالحياة … لا يكاد يمضي يوم حتی يزورها العديد من الاهالي…
لكنه الان يتمنی حتی لو ان تكون البيوت ساكنة وهادئة مثل القبور.. ففي كل ساعة يری سحابة من دخان وغبار كثيف يشق سكون المكان..
اصبحت زيارة المقبرة حتی للميت حلما..
كل ما يتمناه الاهالي الان ان يتمكنوا من دفن موتاهم في المقبرة ..
فقد اصبح هذا حلما بعيد المنال…
بقي خمس دقائق من المهلة التي اعطاه اياها الجنود من اجل ان يتفقد بيته ..
كان بيته الذي تفقده …يلخص قصة الوطن الجريح.. غرقته التي كان ينام بها بلا سقف..
غرفة اخيه بلا ابواب
اما غرفة الضيوف محروقة بالكامل ..
فيما تبقی من وقته صعد علی التلة كي يشرف علی كل القرية كي يودعها .. لانه يتوقع الا يعود اليها..

ذرف دمعات … اشرقت به عيناه.. تساقطت دموعه علی قبر ابيه .. وقال … كم انت محظوظ يا ابي فقد ضمنت دفنك علی ارض الوطن ..
اشار له احد الجنود بنهاية المهلة.. (عليك المغادرة)
نهض من فوق قبر ابيه مودعا … وقبل ان يخطو كان اخر ما سمععه صوت قذيفة تسقط علی قبر ابيه…
لم يعد ابوه محظوظا بقبره .. لكنه كان محظوظا بتناثر اشلائه مع اشلاء ابنه علی تراب الوطن …..
بقلم: أحمد رياض حمدان الخليل – (سوريا)


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com