|  آخر تحديث يناير 30, 2017 , 1:52 ص

هِسْتِريا الكتابة


بقلم: محمد الشيخة - ( سوريا )

هِسْتِريا الكتابة



يأتي صاحبُ الشقة في مُنتصفِ الليل؛ ليطالب بمستحقاته، بعد ساعاتٍ قضاها في اللهو والمُجون، وما إن تُلامس يده المُرتجفة بقايا أخشاب مُتراصة جنباً إلى جنب ببعضِ الأسلاك ومسامير صدئة؛ ليبدأ بالصراخ مُنادياً إياهُ باستخفاف (يامُثقفنا) يا أُستاذنا، لم أرى منك قِرشاً واحداً منذ أشهر.

مُثقفنا ذاك يعرفهُ من صوت نعله اللامع وهو يقاوم أرضية الشارعِ الموحلة، كونه أخر الزائرين في ترتيبِ الدائنين اليومي بعد مُحصليّ الفواتير ممن يسبقونه بساعات. مازال يختبئ، مُلتزم الصمت ريثما يرحلُ الضيف الأخير لهذا اليوم.

و يعودُ للجلوس خلف كومةٍ من الأوراق، مُصغي السمع إلى قرقرةٍ تصدرُ من جوفه، يربتُ على معدته بائساً ويكتب.

يخافُ جداً حين يكتب لأنه يعلم مسبقاً عواقب مايقوم بكتابته، رغم إنه لا يكتب نقداً ولا رأي بقدر مايكون في مُحيطه المقموع كسراً لهراوةِ الجلاد. يعبث ببعضِ الأقلام الفارغة، مستجمعاً أفكارهُ، ناقلاً نظرهُ إلى كوب قهوة متخم بأعقاب سجائره و أفكاره المُهترئة.

في زاويةِ الغرفة تجلس زوجة (مثقفنا) تأنُ من البرد والجوع، لكنها تبدو جميلةً بعض الشيء، ساهمة الطَّرف فيه مُستخفة أيضاً، تعلمُ مسبقاً بِجبن زوجها المتأصل. تقول دائماً إن رجلاً لم يقوى على النظر في عينيها طوال خمسةِ سنوات لن يتجاسر على الكتابة.

فعلاً ما إن يكتبُ كلمة حتى يشطبها، و لم يُكمل جُملةً إلا مزَّقَ الورقة بادئ بأُخرى. يكتب عن الفساد، ذاكراً بعض الأسماء التي يخشى الناسُ ذكرها في بيوتهم، يدخل دائرة الانحطاط الفكري وانسلاخِ الأخلاق تارةً، و يشجعُ على القراءة تارةً أُخرى، ومثل كُلّ مرة تُسفر هذه المحاولة عن كومةٍ جديدة من الأوراق يصعب نشرها. فجأة سلمتهُ الكلمات جسدها، و أخذ يُلامس بقلمهِ جميع الحروف، بدأ بنصٍ لا يتطرقُ فيه لموضوعٍ مُعين، استمر على هذه الحالة مُضطجعاً على كُرسيه يحاول تركيب بعض الكلمات؛ ليختم ما بدأ به، لكنهُ فشل في نهاية الأمر ومزق الورقة مثل كُلّ مرة.

وقف و اِتجه إلى زوجتهِ، مُحدقاً في الفراغ، يمدُ ذراعيه مرتعشاً، و يقبضُ على رقبتها، حاولت دفعه بِكلتا يديها لكن مالبثت أن خَارت قواها، جثَم فوق جسدها ليمنعها من الحركة، تتلوى و تنتفض بصمتٍ مشلول، تحاول أن تصرخ، فهرب صوتها نحو السماء.

عاد يجلس كما كان مِنذُ هنيهة؛ ليبدأ بورقةٍ أخرى و فكرةٍ جديدة، لعلّه يجني من ورائها ثمن وجبة طعام؛ باحثاً بعد ذلك عن ضحيتهِ القادمة.

 

 

بقلم: محمد الشيخة – ( سوريا )


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com