ما زال في مغبة الأيام ساعات من أمل، وكومة من تفاؤل، قد تكون الغالبية تعاني، أو شكّلت الحياة لديهم حزناً وفراقاً أو اهتزازات عاطفية أو اجتماعية، هناك مثل فارسي يقول «الصبر شجرة جذورها مُرّة وثمارها شهية» .. وأخبرنا شكسبير في مقولته «ما أشقى مَن لا صبر له» .. فما أحوجنا إلى الصبر وإلى اتباع مساره في همومنا اليومية، وقد قال تعالى في محكم آياته «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إلا المصلين» .. فالحاجة إلى الأمل، والتزود بالصبر والعبادات استمرار للحياة.
وهناك في البشر من ضعفت قوته الإيمانية وتراكمت همومه وأحزانه عليه، فخرّ ذليلاً لأوهامه، فاهتزت حياته بشكل مؤلم، فساءت حياته وتضاعفت أوجاعه النفسية والجسدية، فالمؤمن الصابر الراضي بالقدر خيره وشره، لن يتنازل عن مهمة إخراج نفسه من حياته الحزينة إلى الدعاء والصدقات، وربط ذاته الإنسانية برباط قوة الإيمان والانشغال بحياته المستقبلية مع يقينه أن الله مع الصابرين.
سأخبركم بقصة عن فتاة كانت لا تفارق أسرتها .. كانت أمها هي الحياة بالنسبة لها، وأبوها الصدر الحنون لمشاكلها أو ما قد يعترضها من هموم ومشاكل في عملها، استلمت عملها منذ ثلاث سنوات في مكان يبعد عن منزلها ساعتين، وكانت يومياً تشارك زميلات المهنة مركبة أجرة، ذات يوم تأخرت في العمل لانشغالها في تجهيز بعض الملفات والمستندات مع إحدى الزميلات، كان الوقت متأخراً حين عادت إلى المنزل إلا أنها لم تجد أبويها .. استغربت .. فليس من عادتهما الغياب عن المنزل، صَعِقت حين دخلت غرفتهما وشاهدتهما على السرير ساكنَين بلا حراك، هل تخيلتم المنظر وهي تناديهما وهما في سبات مؤبد؟ بكتهما بحرقة وألم .. فقد فارقتهما معاً في الوقت نفسه، بكت كيف سيكون المنزل بدونهما .. بكت كثيراً جداً، تخيلوا ما حالها بعدهما؟ كانت وحيدة في المنزل، تحمل مصحفها بيديها، وتقرأ وتدعو يومياً في صلاتها وفي عملها، لم تترك ذلك المصحف .. كلمات أبيها ترن في أذنيها حين كان يردد عليها: لا تبكي لو فارقناكِ، اصحبي معكِ مصحفكِ ويقينك بالصبر.