تُشكل الديموقراطية في لبنان العقدة الأكبر لمُعظم رجال السياسة، وقد أصبح واضحًا للجميع بأنَّ التركيبات في الداخل اللبناني هي من وحي المكاسب المترتبة عن نتائج كل حركة مكوكية تقوم بها مجموعة من الزعامات من أجل تثبيت آلية ضربها للمفاهيم السياسية، وذلك إن دلَّ على شيء ما فسيكون “التواجد في الحكم، رُغم أنوف المفاهيم”. تُتابِع التجارُب على الساحَة السياسية إثبات ما ينتقِدُه الغيورون على الوطن والديموقراطية فيه. أما هذه الطبقة السياسية، فمازالت تُدين نفسها بنفسها في كل خطوة تتخذها في سبيل ضرب المفاهيم الأساسية لبناء الدولة، إنطلاقًا من فرط عقد فريقي 14 و8 آذار في سبيل تكريس المحاصصة، مرورًا بعددٍ من الهرطقات السياسية الغير مجدية، وصولًا إلى ما هو عليه الوطن من أزمات إقتصادية، إجتماعية، ثقافية وإنمائية واسعة النطاق. من هنا يأتي الحديث اليوم عن أي ديموقراطية يبحثون؟ إنَّ مفهومهم للديموقراطية عابر للمفاهيم الحقيقية التي بُنِيَت عليها المفاهيم السياسية. منهم من يربط الديموقراطية بمقاعد مذهبية بحتة، فيُقَدم طرحًا إنتخابيًا نابعًا من نفسٍ تقتل فيه الطائفية نفسها (القانون الأورثوذكسي). وبعضهم من يتنكر خلف الديموقراطية مقدمًا طروحات غير ديموقراطية فقط ليحافظ على زعامة سياسية وازنة في المجلس النيابي تحفظ له بقاءه في السُلطة التنفيذية (الإبقاء على قانون الستين). أما البعض الآخر فهو الطامة الكبرى في واقع السياسة اللبنانية، عندما تتقدم القوى السياسية مجتمعة في ما كا يسمى بفريق 14 آذار بطرحٍ (أكثري ونسبي) في وجه الرئيس نبيه بري الذي له أيضًا طرح مشابه بتقسيمة جغرافية مختلفة، ذلك من أجل تثبيت المؤكد حول رؤية هذه القوى للديموقراطية المزورة التي تعتمدها في طروحاتها. أما الطرح النسبي الرسمي الوحيد في لبنان، فهو الطرح الذي قدمته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والذي قسَّم لبنان إلى 13 دائرة إنتخابية تنتخب على أساس نسيبي. إنَّ مفهوم الديموقراطية الحقيقي لا يَعرِف كما أنه لا يَعتَرِف بما تدَّعي هذه الطبقة السياسية في طروحاتها. فالديموقراطية واضحة وضوح الشمس: إما دائرة فردية تنتخب شخصًا واحدًا فبذلك ينسكب الصوت الواحد في جعبة مرشح واحد ويكون هذا القانون أكثري، إما النسبية تعتمد على حسابات مُعينة يحددها مضمون القانون الإنتخابي، أو طرح مختلط من دوائر فردية تعتمد القانون الأكثري ودوائر نسبية في كل دائرة فيها أكثر من مقعدَين. في الدائر الفردية، يُستبعد مرور أي طرح إنتخابي نظرًا لصغر حجم لبنان الذي سيحتاج إلى تقسيمه 128 دائرة إنتخابية، أو تقليص عدد النواب في البرلمان اللبناني، الأمر المستبعد جدًا وهو مستحيل في هذه المرحلة. دون أن ننس حساسية التقسيمة الطائفية. في القانون المختلط والمطروح من قِبَل القوى السياسية، فالدراسة التي أجريتها عليه تظهر كيفية التلاعب بالدوائر الجغرافية خاصة على المستوى النسبي من أجل تحقيق مكاسب إنتخابية. أما القانون النسبي الذي قدمته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فهو الطرح الأنسب في المعايير الديمقراطية عامة وفي ما خص مستقبل الديموقراطية في لبنان خاصة. بالتالي يجب الإستناد إلى الطرح النسبي الذي قدمته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من أجل إنقاذ الديموقراطية في الإنتخابات النيابية القادمة في لبنان، ولكي لا يبق مفهوم الديموقراطية ضائع بين المفاهيم السياسية والمتسلطين على الحُكم في لبنان.