يُروى أنَّ الزمان قد حفظ لنا في جعبته ِ قصصاً جميلة حدثت كلُّ واحدةٍ منها في يومٍ من الأيام وسيروي لنا الآن قصة جميلةًً من أروع قصص الإنسان, أحبها الكبارُ قبل الصغار ونسجَ أحرفها ضوء القمر وسطّر أوراقها ضوء النهار وشهدَ لها البشرُ ورقَّ لها الدمعُ وفي داخلها أندرُ حكمةٍ تنتظرُ الإعتبار, فهيّا يا زمان حدّث ولا تطل علينا الإنتظار.
يُحكى أنهُ وبعدَ طول عناء تزوَّج شابٌ وسيم من عائلة الأمراء من فتاةٍ ريفيةٍ لعائلةٍ تعَّد من طبقة البسطاء, هذهِ هي النهاية وفي بلاد الرمانِ كانت الحكاية ومن هنا البداية.. في صباحِ أحد الأيام أشرقت الشمسُ ومعها ضوء النهار ماسحاً ظلمة َ ليلةٍ قد طال َ فيها الإنتظار؛ لتعلنَ وأخيراً عن ولادةِ طفلٍ جميلٍ من عائلة الأمراء, طفلٌ استبشرَ الملك ُ بولادتهِ وجميع الوزراء وفرح بقدومه أهل البلادِ من أغنياء وبسطاء؛ فهذا اليوم بنظرهم هو يوم البشرِ والعطاء, وعمّت أصوات الفرحِ المكان وتعالت صوت الضحكاتِ وغرَّدتِ العصافيرُ أعذب الألحان فهذا يوم السعدِ فقد ولدَ الأمير وسام. وعلى الجهة المقابلة لقصر الأمير ولدت طفلة ٌ أخرى لأبوينِ طيبينِ يعيشانِ في كوخٍ جميل يتوَّسط أجمل أشجارِ الرُمّان كوخ ٌ صغير يجمع شملَ عائلتهما الصغيرة بكل حب ٍ وسرورٍ ووئام.
ومرَّتِ الأيام وها هو الأمير وسام يكبرُ شيئاً فشيئا ًأمام عيني أبويه اللذان منحاهُ جُلَّ الرعايةِ والأهتمام, وكانت أيضاً الطفلةً بيلسان تكبر وتنضجُ بينَ كنفي أبويها اللذان أحسنا تربيتها فكانت طفلة ً يُضربُ بها الأمثال واشتُهِرَ اسمها بين الناس وأعجبوا بخلقها وجمال ِ روحها وشكلها الفتّان مما جعلَ والدها يطلق عليها اسماً آخر جميل فلقَّبها بالملاكِ الصغير؛ فقد كانت كالملاكِ الصغير الذي يدورُ حولَ والِديهِ يداعبُ الفراشاتِ ويلاحِقُ العصافير ليغني معها أجمل َ الالحان, هكذا كانت بيلسان الفتاة البيضاء ذات الشعرِ الذهبي والعيون الزرقاء.
وما زالت تمضي الأيام الى أن كبرت ونضجت بيلسان وأصبحت فتاة ً فائقة الجمال يحارُ كل من يراها فيُشكِكَ في أن تكون َ ملاكٌ هي أم انسان, وها هي الآن مشغولة ٌبعملها الدائم وهو مساعدة ُ والداها بالإعتناء بحقلهمُ البديع بانتظام وذلك بزراعة بذورِ اليقطين وجمع ثمار الرّمان وبيعها في سوق البلدة في كل موسمٍ وعام. وعلى الأطلال ومباشرة ً أمام نافذة الملاك بيلسان كان يوجد قصرُ الأمير وسام الذي كَبُرَ وأصبح َ أميراً وسيماً من خيرة ِ الشبّان وكغيرهِ من الأمراء الشجعان كان لديهِ برنامجٌ يوميٌ يتناسبُ مع مستقبلهِ كملكٍ لبلادِ الرمان فمن الأدبِ الى الفنِ وقصص التاريخ الى الفروسية والمبارزة التي كانت رمزاً لكلِّ أميرٍ هُمام. بعكسِ الجميلةِ بيلسان التي كانت تمضي وقتها وأيامها بالدراسة وقراءة القصصِ والأنشغالِ مع والداها بالإعتناءِ بأرضهم وبحقل الرمان الذي لطالما أحبته بيلسان وأمضت أوقاتها بين كنفاتهِ تستظلُّ بأشجاره ِ وتعتني بسيقانهِ وتتأمل ثمارهُ وتنتظرها حتى تنضجَ لتعانقها وكأنها انسان, على هذا النحو كانت تعامل ُ الأشجارَ بيلسان أما معاملتها مع بني البشر فقد كانت قدوةً حسنةٍ لكلِّ انسان؛ فأحبت الناس وحلمت بأن تكونَ حكيمة ً تعالج مرضاهم بالمجان, فاهتمت بدراسة كتب الطِّب وسعت وراء الإتقان, ورأت أن سعادتها لا تتحقق إلّا بمساعدة ِ غيرها وأن ترى الإبتسامة تشقُ طريقها على وجه كل انسان وأن التواضعَ هو تاجُِ النبلاء ورمز الإنسانيةِ وخلق الفضلاء والكرماء وأن الذكاء والجمالَ نعمة ٌ يجب على كل انسان شكرهما بالبذلِ والعطاء فسهرت الليل وقطعت ِ المسافاتِ لأخذِ العلمِ من أفضل الحكماء وقد رُزقت عقلاً فطناً فتعلَّمت الطب خلال وقتٍ وجيزٍ فكانَ لها ما تشاء وأصبحت حكيمةً ً تعالجُ مريضاً وتشفي جروحَ آخر بالمجان وبكلِّ اخلاص ٍ واتقان.
ومرت هكذا الشهور والأيام الى أن تحولت بلادُ الرمان من جديد ٍالى أرضٍ حمراء تكسوها أروع حباتِ الرمان وهذا الأمرُ يعني أن موسم َ قطف الرمان قد حان أي أنَّ الناس َ على مقربة ٍ من أن يعيشوا أجملَ الأيام فموسمُ قطف الرمّان هو يوم عيد جميع السكان في بلاد ِ الرمان؛ فيَعج فيهِ سوقهم بالزوارِ وأكبرِ التجار لشراءِ أندر الأشتال وأفضل ثمار رمان ويرتزق ُ فيه المزارعونَ من خلال عرض محاصيلهم وجمعِ أرزاقهم. وكما جرت العادة من ملك بلاد ِ الرمان بأن ينزلَ موسميا ً ليتفقد رعيتهُ ويشاركهم فرحتهم بما فعلوه بثمارهم ويطّلعَ على حال ِ السوقِ والزوارِ اللذين يأتون من كل البلدان لتذوّقِ أطيبِ طعمٍ لأفضل ِ ثمارِ رمّان ولكن هذه المرَّه سيرافقهُ ابنه ُ الأمير ُ وسام الذي اقترحَ عليه ِ أن ينزلَ متنكراً حتى لا يعرفهُ الناس ويتجوّل بين المزارعين والتجار ِ كعامة الناسِ يهتم بأخبارهم ويستمِعَ لمتطلباتهم ويشاركهم يوم عيدهم على طريقتهم.
فرِحَ الناس ُ وتجهزوا وبدأ المزارعون منهم بقطف ثمار الرمان لبيعها في يوم ِ سعدهم في سوقهم المتواضعُ الذي شهِد َ لروعتهِ وندرتهِ المكانُ والزمان, وبالتأكيد جمعت بيلسان مع والداها أجمل َ حبَّات ِ الرمان, وبكلماتٍ عذبةٍ رقيقةٍ غنَّت بيلسان وردَّد ورائها كلُّ من كانَ يقطف ُ الرمَّان وتغنت قائلة ** هيا هيا لا تتردَّد واجمع الرمان.. فغداً يوم عيدٍ لجميعِ السكان.. اجمع هيا وابتسم فأنت في نعمةٍ الآن.. هيا اشكرِ الله فله الإمتنان.. واجمع الرمان.. لتسعدَ الأنسان** ومضى يومهم في جمعِ ثمارِ الرمان بينَ مرحٍ وسرورٍ وغِناء الى أن انتهوا جميعهم وناموا متفائلينَ بكلِّ سكينةٍ وهناء.
وفي صبيحة اليومِ التالي أشرقت شمسُ الصباح بخيوطها المتلألئة فأيقظت بلاد الرمان وقد بدت في ابهى حُلَّة ٍ تملأؤها أروع حبات الرمان, وها هم السكان يتهافتون َ الى السوقِ بكل ِ بهجة ٍ يغنون أغنية َ الرمان فأيقظت أصواتهم النَّدية ُ بيلسان التي تناولت فطورها وارتدت أجمل ثيابها ولبست طوقا من ورد ِ الياسمين كان قد صنعهُ لها طفلٌ أراد أن يشكرها بطريقتهِ الخاصّه لمساعدتها ايّاه ومعالجتها له وخرجت هي وعائلتها طالبين التوفيقَ من الله المنان يجرّونَ عربتهم الصغيرة الملئئ بثمار ِ الرمان وما ان رءآها الجميع ُ حتى انبهروا بشدةِ جمالها فشكرتهم بكلِّ خجلٍ وتواضع ٍ بيلسان وأكملت سيرها مشاركة ً أقرانها الغناء الى أن وصلوا السوق َ وأخذ َ كلُّ واحدٍ منهم مكانه ُ وبدأؤو بعرض ِ ثمارهم.
أما في قصر ِ الأمير ِ وسام….
فهذا ما ستعرفونه ُ أحبّتي في العدد القادم إن شاء الله.
أتمنى أن تنال قصتي على اعجابكم واستحسانكم وسأسعد بقراءة ردود أفعالكم سائلا المولى لي ولكم كل التوفيق وتقبلوا مني فائق الاحترام.
1 التعليقات
Senan
2016-03-09 at 8:24 م (UTC 4) رابط التعليق
قصة رائعة وكلمات متجانسة اقرب الى الشعر
(0) (0)