|  آخر تحديث أكتوبر 4, 2024 , 18:19 م

يا صاحب الظل


يا صاحب الظل



لفتني مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي لطفل صغير يحبو بخوف هارباً من ظلّه وكأنّه مجهول يطارده بالفطرة وببراءة الطفولة كان تصرّفه انعكاساً للنفس البشرية حيال ما تجهل كيف له أن يعرف وهو بحداثة عهده في الحياة شيء عن علم الفيزياء، وأنه ذاته صاحب هذا المتحرّك يواكبه يكبر ويصغر بفعل قربه وابتعاده عن الضوء، شيء مخيف لا معالم ظاهرة عليه كالتي تبدو على الوجه أحياناً من حيث العبوس والابتسام، ما يزيد من جعله مبهماً داعياً للهرب والابتعاد.

 

رغم أن تسجيل هذا الفيديو كان غرضه التندّر والضحك، إلّا أنه أثار أشجاني وجعلني أذهب بعيداً مردّدة: لله درك أيها الإنسان ما أظلمك عندما تعيش بحجم ظلّك ناسياً أو متناسياً أبعادك الحقيقية مستعيناً بظروف غير شرعيّة كانت مواتية للتكبّر والاستكبار، أو أنّك اعتمدت على سذاجة وغباء من حولك، ممن استطعت إيهامهم زوراً وبهتاناً، رغم ضآلتك في الحقيقة قيمة وقامة.

 

غريب أن تتسع ساحات الحياة لأعداد تتزايد يوماً بعد يوم من هؤلاء طرداً مع تفاقم مجالات الفساد وازدياد المفسدين وابتكار أساليب جديدة تعين على إعمال مبدأ الرياضيات في التربيع والتكعيب لحجم الذات، مقارنة بأولئك أصحاب الأحجام الوازنة أصلاً بعلمها وأخلاقها وإنسانيتها ممن اعتمدوا في الحياة مبدأ الواقعية والتواضع والإقرار باقتناع لا بتواكل بأن الرطل في مكانه قنطار.

 

كرهوا الأضواء لعلمهم اليقين بأنها تخدع الأبصار وقد تصنع من الصغير كبيرآ كما أنّها قد تخفت، فجأة ومن دون سابق إنذار فيصبح صاحب الظلّ مسمّراً في مكانه غير قادر على الحراك، لكنها لا تؤثر حتماً على من كان همّه في الحياة احترام الذات.

 

 

بقلم: رشا المارديني


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com