|  آخر تحديث سبتمبر 7, 2024 , 14:41 م

لا تظلمنَّ إِذا ما كنتَ مقتدرًا .. فالظلمُ مرتعُه يُفضِي إِلى النّدمِ


لا تظلمنَّ إِذا ما كنتَ مقتدرًا .. فالظلمُ مرتعُه يُفضِي إِلى النّدمِ



 

لا شيء يُشعرُ الإنسانَ بالإحباط وفقدان التوزان أكثر من ظلمٍ يتعرض له، في مجتمعه أو عمله وحتى في مسيرة حياته، لذا نهى الإسلام ومعه كلُّ الشرائع السّماوية عن الظلم، وعُدّ ذلك من أبشع الممارسات التي يقوم بها فردٌ على آخرٍ؛ فقد جاء في القرآن الكريم: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا” وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم” الظلم ظلمات يوم القيامة” وعند السيد المسيح عليه السلام نجده يحذر من الظلم فيقول” احترسوا مِن كُلِّ ظُلْم”.

ولنعلم أولًا أنّ الظلمَ واقع في كلّ زمانٍ ومكان، وطالما نحن في هذه الدنيا نتعامل مع هذا أو ذاك فإننا عُرضة للظلم من ربّ العمل أو المجتمع، أو من غريب أو قريبٍ، وهنا يترتب على المرء أن يدافع عن كيانه وأن يقف بوجه الظالم، فالظلم هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن للإنسان أن يدافع عنه أو يبرره، تحت أي ظرفٍ أو وضع، دون أن يؤدي ذلك بطبيعة الحال لظلم أكبر أو ضرر أوسع مما سبق.

وقد تناول العديد من المفكرين مسألة ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره، ممن هو دونه واعتبروا أنّ ظلم الإنسان لأخيه الإنسان هو أقسى أنواع الظلم؛ لأنه يتركُ في نفسِ المظلوم الأسى والخيبة وشعور بالخذلان، ولا سيما إن ترافق ذلك الظلم بأكل حقٍ هنا أو إنكارٍ لحقوقٍ هناك.
ولا يقتصر موضوع الظلم على البشر فحسب؛ فهناك ظلم الإنسان للحيوانات بحرمانها من الطعام أو الشراب وممارسة الأذى، فقد ورد في الحديث أنّ امرأة دخلتِ النارَ بسبب هرةٍ حبستها دون طعامٍ أو شراب؟!!
ختامًا: تذكر كتب التّاريخ أنّ “هارون الرشيد” خامس الخلفاء العباسيين قد جعل “الكسائي” معلمًا ومربيًا لولده “المأمون” وفي آخر درس للمأمون عند أستاذه انهال المعلمُ على تلميذه ضربًا، وقال له: هذا من صُلب درسنا الأخير!! استغرب المأمون، وقال للكسائي: “إنّني وليُ عهدٍ وهذا ظلمٌ مرفوض لن أنساه ما حييت”
أومأ الكسائي برأسه، وردّ على تلميذه ولي العهد: أعرفُ أنه ظلمٌ، ولا حرج عندي بذلك!!

مرت سنوات وصار وليُ العهد خليفة المؤمنين، وكان أول ما قام به أن استدعى الكسائي؛ يريد الانتقامَ منه عما فعله به أثناء الدرس حين كان وليًا للعهد، فخاطبه: إنني الآن خليفة المسلمين، تذكر اليوم الذي ضربتني فيه؟!! قال الكسائي للمأمون:” نعم أذكر ذلك اليوم، وكنت أريد منك ألّا تنساه، يا خليفة المسلمين حين كنت أدرسك كان علي أن أبين لك بشاعة الظلم ومرارته، ولو أسمعتك أيَّ شيءٍ لن تشعر بما يعاني منه المظلوم، لذا حين ضربتك لم تنسى ما فعلته بك، أناشدك الله والرسول: إياك والظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة” فمن تلمس الظلمَ وخبره فالأولى به ألّا يمارسه على الآخرين، ويبقى: لا هلاكَ للمجتمع أو الفرد إلّا بظلمٍ، ولا ظلم إلّا وعاقبته هلاك، لذا قال ابن خلدون “الظلمُ مؤذن بخرابِ العمران!!”.

 

بقلم: عبد العزيز محمود المصطفى


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com