|  آخر تحديث يوليو 28, 2024 , 20:33 م

بين التّسامح والانكسار!!


بين التّسامح والانكسار!!



عبد العزيز محمود المصطفى – كاتب وأكاديمي

 

 

يولدُ الإنسانُ وقد زرع الله في فطرته تسامحًا وقبولًا للآخر، أيًا يكن دينه أو عِرقه أو لونه، بيد أنّ المرء ومع تأثير البيئة عليه وحوله والثقافة التي يتشربها يتحول شيئًا فشيئًا فيُميّز ويفرق أو يحب ويزدري وفقًا لفكر يحمله أو سلوك يتمسك به…. إلخ، وقلة من الخلق ممن يتجاوزن هذه الايدلوجيات ويحافظون على فطرتهم التي جعلها الله فيهم.

ومما لا شك فيه أنّ مبدأ التسامح ليس بجديدٍ بل هو في صلب الأديان السماوية؛ فنجد عند السّيد المسيح يقول:” أحسنوا إلى مبغضيكم” وفي القرآن الكريم نرى قول الله عز وجل:” فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ” الحجرات:85

 

لعل من أروع الأمثلة على تسامح قيمنا الإنسانية الإسلامية والعربية ما فعله النبي المصطفى بمشركي قريش وقد أذاقوه صنوف العذاب والأذى وأجبروه على ترك مسقط رأسه “مكة المكرمة” وهي أحبّ البلاد إليه والهجرة إلى “المدينة المنورة”

 

وبعد سنواتٍ من هجرته عاد الرسول وفتحَ مكة ومعه جيشٌ من الصحابة، جمع النبيُ أهلَ قريش؛ أبناء جلدته وسألهم: “ما تظنون أنّي فاعل بكم؟” ردوا عليه:” أخ كريم وابن أخ كريم”

فقال المصطفى كلمته التي ذهبت مثلًا وحكمًا في التسامح:” اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

 

ولعل الشواهد على قيم التٍسامج في مجتمعاتنا وفي صلب قيمنا، لا تُعد ولا تُحصى، بيد إنّ التّسامح مختلفٌ كليًا عن الانكسار ولا سيما إن كان التّسامح يُفرط بمبدأ وأساسيات الضروريات الخمس في الإسلام، عندها يتحول إلى التٍسامح إلى ذلٍ وتفريط بالحقوق وبدايةٍ لطريقٍ نهايته هونٌ واستعباد من قوى ومجتمعات لا همّ لها إلا السيطرة وسرقة تراث الآخرين وحضارتهم وخيرات بلدانهم.

 

التّسامح يكون مع القوة وبدونها يكون تنازلًا عن الحقوق التي تحتاج منا إلى قوة لتبقى وتُسترد، فلقد قال “ابن خلدون”: الحقُ رداؤه القوة، فإن أراد ألاّ يُزدرى، عليه ألاّ يتعرى”.

 

التسامح يكون وفق ضوابط احترام الآخر وتعزيز قيم الإخاء ومُثل الإنسانية، فهو حاجة ضرورية ووجودية للبشرية، حتى لا تتحول العلاقات بين الشعوب إلى قانون الغاب؛ يأكل القويُ فيه الضعيف.

 

ولا مفر من أن ندرك أنّ بين التسامح والانكسار قواعد جمة رسمها لنا ديننا تركز على حفظ الحقوق والوقوف مع المظلوم أيًا يكن صاحب الحق، مع المحافظة على قيم بلداننا الإسلامية وهويتنا الحضارية، وعدم الانجرار بدون وعيٍ ولا قواعد نحو مدينّة الغير بذرائع واهية، نتحول من خلالها مع مرور الوقت من فاعلين ومؤثرين في ركبِ الحضارة العالمية إلى متلقين بل ومنبوذين أحيانًا!!.

 

نجد في وقتنا الحالي كيف جمعت دولة الإمارات العربية المتحدة في كنفاتها أنواعًا متعددة من الحضارات والقيم وصهرت كل تلك الثقافات تحت قيمها الإسلامية، فكان منها نهضة عمرانية واقتصادية وسياحيّة لا مثيل لها، تُشكل نموذجًا يُحتذى به ليس في المحيط الإقليميّ فحسب بل على مستوى العالم أجمع.

 

ختامًا: إنّ التّسامح من أروع الفضائل في حياتنا، فالنفوس الكبيرة هي وحدها من تعرف كيف تسامح، لأنّ التّسامح يحتاج قوة أكبر من الانتقام، أما الانكسار فله أهله الذين أكل الدهرُ عليهم وشرب، ولن يخلد التّاريخُ سوى أفعالهم الدنيئة.

 

 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com