بقلم: د. مريم الشامسي
نُشِرَتْ هذه الصورة في موقع شبكة العين الإخبارية مصاحبة لمقال بعنوان: (تطويع التكنولوجيا لتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة).
وتتمثل في لقطة تدل على أن البيئة والمناخ لا يستطيعان الانتظار نظرًا لوجود خطر كبير، فهي إشارة إلى خطر قادم على الطريق، وخطر متعلق بالمناخ ومشكلة الاحتباس الحراري، وعدم قدرة الدول على الوصول بعد إلى حل مشترك في مصلحة المناخ، وخبراء المناخ يدقون ناقوس الخطر بشأن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم.
وهناك حالتان تمر بهما البيئة والمناخ في الأرض، وهما: حالة الاخضرار، وحالة التصحر، وهما يشكلان خلفية الصورة من خلال تقاسم اللونين الأخضر والرمادي لخلفية الصورة. وهاتان الحالتان هما: تقليل الانبعاثات ويرمز إليه باللون الرمادي الغامق، وتعزيز الاستدامة ويرمز إليه باللون الأخضر.
فالأخضر على يمين الصورة يرمز إلى الطبيعة والحياة والانطلاق، ويرمز أيضًا إلى الخير والتفاؤل والأمل.
والبني المشوب بصفرة على يسار الصورة يدل على على الخطر والتحذير.
ففي الصورة تركيز على العنصر الرئيسي المكون لأبعادها السيميائية، وهو عنصر التباين–Contrast، والتباين هو التأثير النسبي أو قوى التنافر بين الضدين نتيجة لوجود تناقض في الشكل أو الحجم أو اللون أو الإضاءة. ويقصد به الجمع بين رؤيتين أو عنصرين متباينين في المعنى والأثر، وتتمثل سيميائية هذا التباين الدال في المفارقة التي يحدثها في مضمون الصورة، بوصف تلك المفارقة وسيلة لقول أقلّ ما يمكن، وتحميل ذلك القول أكبر ما يمكن من المعنى؛ فالمفارقة نظام من الكلمات يتجنّب القول الصّريح، وينكر المعنى الواضح لما يقول.
ويكمن توظيف المفارقة الدلالية في الصورة ” في تلك العلاقة بين الموت والحياة، وكذلك في آلية التكرار في انتفاء الألفة، وغياب الشعور بالأمن، وحضور الخوف في الحياة، فكل ما هو ضد الأمن غريب، وكل ما هو ضد الألفة غريب، وكل ما هو ضد الفرح غريب، والأكثر غرابة هو أن تتحول الأشياء التي كان ينبغي النظر إليها على أنَّها غريبة إلى أشياء عادية ومألوفة.
وقد تم التقاط الصورة من مستوى رؤية الإنسان العادية لإيصال المعنى كاملًا كما هو إلى المشاهد، ويهدف لنقل الواقع دون تدخل أو توجيه. والتباين في الصور الفوتوغرافية يشير إلى احتواء الصورة على مناطق سوداء تمامًا، وأخرى بيضاء تمامًا، مع وجود أكبر قدر ممكن من التدرج اللوني أو الظلي ما بين الأبيض الكامل والأسود الكامل، وهكذا بالنسبة لألوان الطباعة الثلاثة الأساسية مع الأسود CMYK في الصور الملونة، وكلما زاد مدى التباين في الصورة زاد عدد المستويات الظلية أو اللونية المعبرة عن المنظر الظاهر في الصورة، وكانت الصورة أكثر وضوحًا، ولاسيّما التفاصيل الدقيقة.
وقد أضاف التباين جاذبية للصورة، وأضاف قوة ووضوحًا لها بالإضافة إلى التباين الذي يظهر في مكونات الصورة، كما يولد تطبيق الزاوية إحساسًا لدى المشاهد بأهمية العنصر موضوع الصورة، ويعطي مكانة عالية وموقفًا مسيطرًا للشخص أو الهدف المراد تصويره، ويدل على الرفعة والكبرياء، وأحيانًا قد يعطي إحساسًا بالتكبر والغرور ويطلق عليه: زاوية منظور عين الدودة.
وهذه الزاوية من التصوير تبيّن مشهدًا واسعًا فيه العديد من العناصر، وهذا النوع يجعل المشاهد يهمل التفاصيل ويركز في الحركة الكلّية للمشهد، وفي سياق الصورة تركيز على التقاط أكبر عدد من العناصر الطبيعية المشكلة للبيئة والمناخ؛ إذ تتميز بأن زاوية رؤيتها متسعة، وتتمتع عدسات الزاوية الواسعة بمزايا عديدة؛ أهمها عمق الميدان الواسع وقدرتها على التقاط مساحة واسعة من المشهد؛ لذلك تستخدم هذه العدسة لأغراض تصوير الموضوعات ذات المساحة الواسعة أو التصوير في الأماكن الضيقة وقد جاءت الصورة معبره عن الخبر ومتوافقة معه.
ثمة بعد جمالي في الصورة يمتزج بالمضمون الفلسفي المراد إيصاله، يعمل على إبداع نوع من الرؤية الفنية البصرية في استثمار عناصر الطبيعة المتناقضة التي ساعدت المصور على إيصال المعنى وإقناع المتلقي به، فالتناقض هو البنية العميقة للدلالة، وهو الذي أسس البعد الشكلي للصورة، وهو الذي يربط بين عناصر الصورة ومكوناتها، ومن هنا يتحرك المصور بوعي تام باللغة البصرية بوصفها لغة تواصل بين الصورة الملتقطة بعناصرها وتركيباتها الشكلية، وبين المتلقي المستهدف، وما يمتلكه من إدراك خيالي ورمزي دال على الفروق النفسية والواقعية بين عالم متصحر يملؤه التشاؤم والخوف من المستقبل، وبين عالم أخضر حي يدعو إلى التفاؤل نحو مستقبل أفضل.
وبذلك، صنعت المفارقة شكلًا من ضخ الحياة في الأشياء الجامدة الصلبة، وجعلها موحية.