|  آخر تحديث ديسمبر 12, 2023 , 23:01 م

أقوى الانفعالات في الخطاب النبوي الشريف (الحُبُّ)


أقوى الانفعالات في الخطاب النبوي الشريف (الحُبُّ)



بقلم: د. مريم الشامسي

 

يُعَدُّ (الحُبُّ) مِنْ أقوى الانفعالاتِ التي يعيشها الإنسانُ في حياتِهِ ويشاركها مع غيره، فالحُبُّ يُقَوِّي الروابطَ الاجتماعيةَ بين الناسِ ويساعدُ على تكوينِ الأسر، وأسمى أشكال الحب هو حب الله (عز وجل) الذي يوجِّه الناسَ نحو السعادةِ والأمان النفسي الروحي، فإذا تملك حُبُّ اللهِ الإنسانَ تُصبح جميعُ أفعالِهِ وأقوالِهِ في سبيل مرضاته (عز وجل)، وقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأل اللهَ تعالى محبَّتَه في كل حينٍ، فقد روي عنه من دعائه قوله : “اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن نَفسي، وأَهْلي، ومِن الماءِ البارِدِ”.
ولا يقتصر الحُبُّ على الله ورسوله فحسب في الإسلام، فقد دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) الناسَ إلى التودد والتَّحَابّ، فمنه قوله : ” لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَ لَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ”.
وتدلُّ ألفاظُ الحديث الشريف على عدة دلالات النفسية منها في قوا المصطفى “لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا” وهنا يبدأ الحديث بالإشارة إلى أهمية الإيمان في دخول الجنة، وذلك للتمهيد إلى الأعمال التي تكون سببًا للفوز في الآخرة، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا” فتلك الكلمات تعَزِّزُ الفهمَ العميق للإيمان؛ إذ تشير إلى أنَّ المحبة والتآخي بين الأفراد هي جزءٌ أساسي من الإيمان، وهنا يظهر التركيز على العلاقات الإيمانية القائمة على المحبة والتآخي.
وقوله “أَوَ لَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟” يوضح السبيل لتحقيق التحابب والتآخي، ويطرح سؤالًا يعكس الحكمة والتوجيه، فيشير إلى أنَّ الفعل الذي إذا فُعل يؤدي إلى التحابب، وهو إفشاء السلام بين الناس، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ” فيعكس هذا الجزءُ أهميةَ فِعْل السلام ونشره بين الناس بوصفه وسيلةً لتعزيز التحابب والتواصل الإيجابي، فالسلام يعكس الود والخير، وبذلك يشجع النبي (صلى الله عليه وسلم) على نشر هذا الجو من التآلف والمودة بين المؤمنين.
ويوضح أنَّ الإيمانَ لا يقتصر فقط على العلاقة بين الإنسان والله (عز وجل)، بل يمتد أيضًا إلى العلاقات الإنسانية والتواصل الإيجابي مع الآخرين؛ لذا يحث على تعزيز التحابب والتآخي من خلال فعل السلام وبناء علاقات إيمانية تقوم على المحبة والاحترام.
ومن الأحاديث التي تؤكد على صفة المحبة بين الناس وفي قوله (صلى الله عليه وسلم) : “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”().
ألفاظُ تحمل دلالاتِ النفسيةَ عميقة فتشيرُ إلى ثلاثةِ جوانب في علاقة المؤمنين ، توادُّهم الذي يعبر عن المحبة والتقدير المتبادل بين المؤمنين وتراحمهم إذ يشير إلى الشعور بالرحمة والتعاطف مع بعضهم البعض، وتعاطفهم الذي يعكسُ الرغبةَ في دعم بعضهم البعض ومساعدتهم في الأوقات الصعبة.
وقوله “مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” فيقارن هنا بين هذه العلاقات وبين جسم الإنسان؛ إذ يُظهر كيف أنَّ عضوًا واحدًا إذا اشتكى أو تألم، يتفاعل باقي الجسم معه بالسهر والحمى للعناية به ومعالجته.
فالحديثُ يرسم صورةً عن الوحدة والتكامل في المجتمع المؤمن؛ إذ يشيرُ إلى أهميةِ المحبة، والرحمة، والتعاطف بين أفراد المجتمع، وقد شبَّه هذا التفاعل بينهم بتفاعل أعضاء الجسم للحفاظ على صحته.
فالخطاب النبوي والوحي الربّاني مِنْ أسمى الخطابات التي تحاور النفس البشرية، وتسعى للتأثير في المتلقين،
ويتسم الخطاب النبوي بالخصائص التي تجعله مميزًا عن غيره،و قدرته على التأثير النفسي في الآخرين من خلال ألفاظه اللغوية وأساليب البيان والتراكيب المتعددة الدلالات .

 


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com