رسم لقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، “طيب الله ثراه”، مع الفريق المسؤول عن رحلة “أبولو 15” إلى القمر، في سبعينيات القرن الماضي، طريق الإمارات إلى ارتياد الفضاء الخارجي، حيث الصعود إلى المريخ فالقمر ثم الزهرة، وصولاً إلى بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر في العام 2117، وجسد هذا اللقاء بداية مشوار طموح نحو قطاع وطني للفضاء، تكلل بإنجازات مكنت الإمارات من حجز مقعد لها في قائمة كبار صناع قطاع الفضاء العالمي خلال زمن قياسي، ورسخ مكانتها المتقدمة على صعيد القطاع الفضائي، وهو ما سيعززه حوار أبوظبي للفضاء الذي ستستضيفه العاصمة يومي 5 و6 ديسمبر المقبل تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة “حفظه الله”، وبمشاركة صناع قرار ووكالات فضاء ونخبة من الخبراء في قطاع الفضاء العالمي من أكثر من 54 دولة.
وقدم المغفور له الشيخ زايد خلال هذا اللقاء عدداً من الرسائل المهمة التي عكست رؤية القيادة وطموحها، وأكدت أهمية تقدير العلم وأصحاب الإنجازات والإيمان بدورهم في تطور الشعوب والمجتمعات، حيث لخص “طيب الله ثراه” رؤيته في مقولته الخالدة: “إن رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض، لأنها تجسد الإيمان بالله وقدرته، ونحن نشعر كوننا عرباً بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث، وفخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء، بفضل القواعد التي أرساها العلماء العرب منذ مئات السنين”.
إنجازات متتالية
وسطرت الإمارات ـ خلال الخمسين عاماً الأولى من عمر الاتحاد ـ إنجازات متتالية في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، انطلاقاً من رؤية الإمارات 2021، ومئوية الإمارات 2071، حيث تمتلك اليوم 19 قمراً اصطناعياً مدارياً، وأكثر من 10 أجسام فضائية جديدة قيد التطوير، وأكثر من 50 شركة ومؤسسة ومنشأة فضائية عالمية وناشئة، و5 مراكز بحثية لعلوم الفضاء و3 جامعات لتأهيل الكوادر الوطنية، وباتت الإمارات خامس دولة في العالم تنجح في الوصول إلى مدار المريخ ومن المرة الأولى، بعدما تمكن “مسبار الأمل” في 9 فبراير من العام 2021 من الوصول إلى الكوكب الأحمر بنجاح، كما أصبح هزاع المنصوري في سبتمبر 2019 أول رائد فضاء إماراتي، ورائد الفضاء العربي الأول الذي يصل إلى محطة الفضاء الدولية.
وتسعى دولة الإمارات في الخمسين عاماً المقبلة إلى تعزيز إنجازاتها التي حققتها في الخمسين الماضية وترسيخ حضورها العالمي، من خلال إطلاقها مشاريع فضائية طموحة بما ينسجم مع مئوية الإمارات 2071 التي تستهدف تعزيز دور قطاع الفضاء ومساهمته في أن تكون الإمارات من أفضل دول العالم.
وكان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، “طيب الله ثراه”، نظرة ثاقبة نحو قطاع الفضاء وحظي باهتمامه، حيث شهدت الإمارات في عهده تأسيس “الثريا للاتصالات” عام 1997 كأول شركة مزودة لخدمات الاتصالات المتنقلة عبر الأقمار الصناعية “إم إس إس”، وحلول الاتصالات المبتكرة للعديد من القطاعات، حيث شهد العام 2000 إطلاق أول قمر اصطناعي للاتصالات المتنقلة “ثريا 1”.
وفي العام 2006 أسست حكومة دبي مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة “إياست” بهدف دعم قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة وتعزيز أبحاث الفضاء، واستمرت المؤسسة في عملها حتى أبريل 2015 ليتم تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء بقرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، والذي دمج مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة مع مركز محمد بن راشد للفضاء، لدعم المشاريع التكنولوجية والبحث العلمي المتقدم في دولة الإمارات، والمساهمة في دعم توجهات الحكومة لبناء اقتصاد مبني على المعرفة.
وفي العام 2007 تم تأسيس شركة الياه للاتصالات الفضائية “الياه سات” والتي تعد اليوم واحدة من أبرز عشرة مشغلين لخدمات الأقمار الاصطناعية في العالم، وتغطي أقمار الشركة اليوم أكثر من 80% من سكان العالم، وتوفر لهم خدمات اتصالات رئيسية تشمل الإنترنت، والبث الفضائي، وربط الشبكات، وحلول الاتصالات المتنقلة.
وشكل إطلاق القمر الصناعي “دبي سات-1”، في 2009 الذي يعتبر أول قمر اصطناعي إماراتي للاستشعار عن بعد، مرحلة جديدة في بناء القرارات المعتمدة على البيانات والمعطيات في ذلك الوقت، حيث ساهم هذا القمر في توفير بيانات للعديد من التطبيقات المدنية مثل: تخطيط المدن، والتطوير العمراني، والبحوث العلمية، والاتصالات الهاتفية، والنقل والمواصلات، والهندسة المدنية والإنشاءات، ورسم الخرائط، والبحوث الجيولوجية.
وبهدف تنظيم وتطوير القطاع الفضائي الوطني، شهد العام 2014 تأسيس وكالة الإمارات للفضاء للمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني المستدام، وتنمية الكوادر البشرية ودعم مشاريع البحث والتطوير في قطاع الفضاء، وتعزيز وإبراز دور الدولة على الخريطة الفضائية إقليمياً وعالمياً.
ومنذ تأسيس الوكالة، شهد قطاع الفضاء الإماراتي تطورات متلاحقة تنفيذاً لاستراتيجيات مدروسة، حيث تم في العام 2016 إطلاق السياسة الوطنية للفضاء، والتي رسمت التوجهات والغايات المراد تحقيقها في مجال الفضاء.
وشهد العام 2017 إطلاق البرنامج الوطني للفضاء والذي تضمن خطة لمئة عام بهدف بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول العام 2117، كما تم إطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء لتأسيس البنية التحتية لقطاع الفضاء الإماراتي، وتأهيل رواد فضاء إماراتيين، حيث وصل رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في 25 سبتمبر 2019 إلى محطة الفضاء الدولية، ليصبح أول رائد فضاء عربي يصل إلى المحطة الدولية.
وفي إنجاز تاريخي يُضاف إلى سجل الإمارات الحافل في مختلف المجالات، ويؤسس لمرحلة جديدة في قطاع الفضاء الوطني، أطلقت الإمارات في 29 أكتوبر 2018 القمر الاصطناعي “خليفة سات”، الذي
يعد أول قمر اصطناعي يتم تصنيعه بخبرات وأيدٍ إماراتية بنسبة 100 بالمائة، وهو مخصّص لأغراض رصد الأرض، الأمر الذي يرسخ مكانة الإمارات دولة رائدة في قطاع علوم الفضاء على مستوى العالم، وأيقونة تقنية إماراتية لخدمة البشرية.
رواد فضاء
وأعلنت دولة الإمارات في 2018 عن اختيار أول رائدي فضاء إماراتيين، هما هزاع علي عبدان خلفان المنصوري وسلطان سيف مفتاح حمد النيادي بالتعاون مع وكالة الفضاء الروسية “روسكوسموس”، من بين 4022 شاباً وشابة إماراتيين تقدموا للاختبارات، ضمن برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الهادف إلى تأهيل وإرسال رواد فضاء إماراتيين إلى الفضاء الخارجي لتنفيذ مهام علمية.
وحرصت الإمارات على وضع إطار تشريعي ينظم القطاع الفضائي، ويهيئ لبيئة تشريعية وتنظيمية تنسجم مع القوانين والأنظمة الأخرى في الدولة، وتحترم المعاهدات الدولية، فأصدرت في أواخر العام 2019 قانوناً ينظم قطاع الفضاء ويعتبر الأول من نوعه على المستوى العربي والإسلامي.
ووصل رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في 25 سبتمبر 2019 إلى محطة الفضاء الدولية، ليصبح أول رائد فضاء عربي يصل إلى المحطة الدولية، حيث تضمنت مهمته تجارب علمية إضافة إلى توثيق الحياة اليومية لرواد الفضاء على متن المحطة الدولية.
وفي 20 يونيو 2020 أطلقت الإمارات “مسبار الأمل” إلى المريخ لفهم التغيرات المناخية على الكوكب الأحمر، واكتشاف أسباب تآكل غلافه الجوي، وعدم وجود بيئة مناسبة للحياة على سطحه، ونجح “مسبار الأمل” في التاسع من فبراير 2021 في الدخول إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، لتصبح الإمارات خامس دولة في العالم تصل بنجاح إلى مدار المريخ ومن المرة الأولى.
وفي 29 سبتمبر 2020 أعلنت الإمارات عن أول مهمة عربية علمية لاستكشاف القمر، وذلك ضمن الاستراتيجية التي أطلقها مركز محمد بن راشد للفضاء “2021 – 2031″، حيث يشمل المشروع تطوير وإطلاق أول مستكشف إماراتي للقمر تحت اسم “راشد”، يتم تصميمه وبناؤه بجهود إماراتية 100%، لتكون الإمارات بذلك رابع دولة في العالم تشارك في مهام استكشاف القمر لأغراض علمية، وأول دولة عربية تقوم بمهمة فضائية لاستكشاف سطح القمر.
وشهد أكتوبر 2020 الإعلان عن مشروع القمر الصناعي الإماراتي “MBZ-Sat”، ثاني قمر اصطناعي إماراتي يبنيه ويطوره بالكامل فريق من المهندسين الإماراتيين، بعد قمر “خليفة سات”.
وسيكون “MBZ-Sat”، الذي يعمل عليه مركز محمد بن راشد للفضاء بدبي، القمر المدني الأكثر تطوراً في المنطقة في مجال التصوير الفضائي عالي الدقة والوضوح، حيث يتوقع إطلاقه في العام 2023.
وكشفت الإمارات في أكتوبر 2021 عن مهمة جديدة في مجال الفضاء تتضمن بناء مركبة فضائية إماراتية تقطع رحلة مقدارها 3.6 مليار كيلومتر تمر خلالها على سبع كويكبات ضمن المجموعة الشمسية وتنفذ هبوطاً تاريخياً على آخر كويكب ضمن رحلتها التي تستمر خمس سنوات.
وسيستغرق تطوير المركبة 7 سنوات، على أن تكون جاهزة للانطلاق في رحلتها الفضائية، ضمن نافذة إطلاق تحدد لها بداية 2028.
وإنجازات الإمارات في قطاع صناعة الفضاء واستكشافه مستمرة، ففي العام الجاري 2022 شهد تأسيس أول منطقة فضاء اقتصادية في مدينة مصدر لإقامة منظومة أعمال متكاملة لدعم الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تعتبر هذه المنطقة التي ستحتضنها مدينة مصدر الأولى من بين مناطق اقتصادية ومراكز عديدة لتكنولوجيا الفضاء ستطلقها وكالة الإمارات للفضاء لدعم بناء قطاع خاص تنافسي وبناء القدرات الوطنية في مجال الفضاء والمساهمة في النمو الاقتصادي لدولة الإمارات على مدى الخمسين عامًا القادمة.
كذلك شهد العام الجاري إطلاق البرنامج الوطني للأقمار الاصطناعية الرّادارية “سرب”، وتأسيس “صندوق الفضاء الوطني” برأس مال 3 مليارات درهم لتطوير المشاريع الاستراتيجية والبحثية في قطاع الفضاء ودعم تأسيس شركات وطنية في تكنولوجيا الفضاء.
كما فازت الإمارات برئاسة لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي “كوبوس”، وتضطلع اللجنة التي تأسست لأول مرة العام 1959، وتتبع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، بمهمة تنظيم استكشاف واستخدام الفضاء لصالح البشرية من أجل السلام والأمن والتنمية، وتشجيع برامج أبحاث الفضاء، وهي تحظى بدور محوري في بناء السياسات لضمان استدامة الفضاء، بالإضافة إلى تشجيع تبني الأطر التنظيمية الداعية لتبني السلوك المسؤول.
ورحلة الإمارات مع قطاع الفضاء مستمرة، متسلحة برؤية قيادة تستشرف المستقبل وطموحات تعانق السماء وعزيمة شعب لا يعرف المستحيل.