في رحلة بحثي عن الذات أخذت أراقب كل ما حولي من مشاعر سلبية تسرق عقولنا للماضي والمستقبل، وأفكارنا التي لا تهدأ وتعوق تواصلنا الفعال مع المحيطين بنا.. فوجدت أنه ما من بشر إلا ويعاني قدر كبير من الإجهاد والضغوط نتيجة أفكاره وتصوراته عن نفسه.. والحقيقة أنني كنت من هؤلاء حتي واجهت نفسي وسألتها أهم سؤال في حياتي يحتاج لإجابة واعية….(من أنا)؟
فنحن نخرج من بطون أمهاتنا لندخل الدنيا بفطرة ربانية سوية لندرك أننا جزء من منظومة كونية ونتعرف علي غيرنا قبل أن نتعرف على أنفسنا وكذلك نعيش مع المرئي المعترف به ونهمل ذاتنا الحقيقية لنعيش ما تبقي من أعمارنا مع صورة ذهنية زائفة عن الذات… تلك هي الأنا التي تكونت في مرحلة مبكرة من أعمارنا بالرغم من فهمنا لضعفها وحاجتها للحماية خوفا من إنكشاف زيفها ،ومن هنا تبدأ كل الأمراض الإنسانية..
(الأنا هي عدونا الحقيقي)
فهي التي أخرجت إبليس من الجنة عندما قال (أنا خير منه خلقتني من نارا وخلقته من طين).. وهي التي أغرقت فرعون عندما قال (أنا ربكم الأعلي)..
إنها الأنا الزائفة وهي كل ما يبعدنا عن متع الحياة وعن إيماننا بأنفسنا لنعيش في صراع دائم مع الرغبة في إمتلاك الأشياء المادية ونتأقلم علي برمجة عصبية سلبية وسطحية، فقد نراها تتحكم في مجري حياتنا من خلال تراكمات الماضي و نظرتنا للماضي والمستقبل أو إلي إنجازتنا وما نمتلكه ،وكذلك في إصدار الأحكام والرغبة في السيطرة علي الغير دون وجه حق.
وقد عرفها Dr. Wayne W. Dyer
(EGO Means Edge God Out )
فهي أبعد ما يكون عن عبادة الله (المصدر) حق عبادته وأقرب ما يكون من شيطان النفس.
الأنا أنستّنا أننا جميعا خلقنا من نفس واحدة وأننا جزء من تدبير كوني متقن بديع وأوهمتنا بالإنفصال عن بعضنا البعض، وتلاعبت بمفهومنا عن ما هية الحب الحقيقي بإعتقادنا أن تعريفه هو إيجاد الشخص المناسب الذي يبادلنا هذا الحب لنصتّدم بعد فترة وجيزة أحيانا لا تتعدي الأشهر من إنخفاض هرمونات السعادة والشغف والعلاقة الحميمية في بادئ العلاقات وذلك هو السبب الرئيسي في إنتشار الطلاق حيث إنكشاف الأقنعة وإرتفاع هرمون الأنا الزائفة…
فالحب الحقيقي هو العطاء دون إنتظار الأخذ وأن يعطي الإنسان من نفسه وفرحه وشغفه وماله وكل ما يملك، هو المسؤلية والرعاية والرحمة والموازنة بعيدا عن الواجبات المفروضة علينا من الخارج وأن تري الأخر كما هو، الحب بعيد كل البعد عن صورته المادية الإستهلاكية الذي صورته لنا وسائل الإعلام .. ونراها جلية وواضحة في هوس الجمال الجسدي والمظهر الخارجي والشهرة من اللاشئ الذي كلما كان غالبا علينا كلما تغذي بداخلنا السخط علي أنفسنا .. فالمبالغة في إظهار الجمال هو القبح والنقص بعينه ،وذلك لا ينفي أننا نحتاج لتعزيز أنفسنا وقدراتنا والإهتمام بحيوية أجسادنا وصحتنا داخليا قبل المظهر الخارجي.
فمن يعيش في وهم الأنا ( الإيجو) يدمر طاقته الحقيقية ويصبح أكثر شئ يريده هو أكثر شيئ بعيدا عنه لأن الإيجو هو مصدر الألم علي الأرض ولا يشبع مهما أعطيته.. قد يظهر هذا الكلام غريبا ولكنك ستصدقه أمام الموت وقد تكون شاهدته في أعيُن كل من فارقونا وهم على فراش الموت وفي قوله تعالي: ( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
(الإيجو) هو ما يجعل بكائنا علي الماضي والمستقبل أمرا حتميا لا يفارقنا فالماضي قد قضي وأنتهي والمستقبل ما إلا صورة ذهنية تخيلية ،والحقيقة هي أن ماضينا وحاضرنا هما حقيقة اللحظة الراهنة فقط (الأن) فقد أثبتت العديد من الدراسات بأن كل من يعيش في الحسرة علي الماضي هم أسوأ صحة وعرضة للأمراض النفسية والجسدية المزمنة عن غيرهم وهنا أستحضرني قوله تعالي: (لِّكَیۡلَا تَأۡسَوۡا۟ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُوا۟ بِمَاۤ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَال فَخُور).
معظمنا لا ينكر أننا أصبحنا في حالة من العبودية لأراء الناس عنا ومقارنة أنفسنا بغيرنا طوال الوقت بل وكذلك الإعتقاد بأن الكون بأكمله إجتمع ليتأمر علينا…إذن فما هو الحل وكيف يمكنتا تهذيب الأنا الزائفة؟
العلاج يبدأ عند رفع وعينا بذواتنا الحقيقية وأننا كائنات روحانية من نفخة ربانية في قوالب طينية وتجربة ربانية…وبإدراكنا أن الأنا الحقيقية هي ما تقدمه من قيمة ورسالة فعلية تفيد الأخرين ،و حبنا لذواتنا الحقيقية لا يكون إلا بحبنا اللامشروط لكل ما حولنا مع (مراقبة الأنا) وما تفعله بنا وبأفكارنا لنتحرر من أسرار التباهي والتعلق بالأشياء ونقود سيادتنا علي أفكارنا بإدراكنا الواعي إننا عباد الله وهو من يحاسبنا علي كل شئ، ثم الخروج من دائرة التابع لوجهات نظر الأخرين عنا وهوس المقارنات بلا جدوي ..
وللشكر في السراء والضراء مع الإيمان بأليات عمل القدر الكونية العادلة دوره.. فعند التركيز على الإمتنان وعشقك لذاتك الحقيقية ستميز بين الحقيقة والوهم لتعيش مع المصدر بأهداف واعية.
لا نحتاج إلا لمساحة هادئة ساكنة لا يوجد بها تناقضات ولا عقلية تافهة وفي هذا المكان يزورنا الله ونشعر به في داخلنا ..لنستمر في رحلتنا بالصبر الجميل ومواصلة السعي بسلام نفسي وروحي …
(الحقيقة هي أنه ليس كل ما يلمع هو مصنوع من الذهب الخالص)
ويبقي السؤال من منا لديه الشجاعة ليري ما خلف اللمعان(الزيف) ليعيش ذاته الحقيقية؟
بقلم الإعلامية الباحثة
رشا أبو العز