انقسمت أوروبا على نفسها، أنهكتها الحرب الدائرة في أوكرانيا، وكل يوم يمر يزيدها اختناقاً، فالقادم أسوأ وأكثر قتامة.
كان مخطئاً كل من فكّر أن إشعال النار في أوكرانيا سيكون شبيهاً برحلة بريّة وتغيير جو، وعيش حياة بنمط مختلف، وبعدها تعود الأمور كما كانت، كان رهانه خاسراً منذ أن انطلقت بوادر إحداث أزمة من لا شيء، فأوكرانيا موجودة في مكانها، وروسيا لم تتحرك بعيداً عن حدودها، كانتا جارتين، ثم تشاركتا في اتحاد لسبعة عقود، ومع نهاية الحرب الباردة التي تلت الحرب العالمية الثانية، استقلت أوكرانيا بعد أن زال الاتحاد السوفييتي وعادت روسيا إلى وضعها الطبيعي، ومرّت ثلاثة عقود تقريباً ولم يحدث بينهما ما يعكّر صفو العلاقات الأخوية التاريخية، فكان الخطأ في التصرف، وتبعه خطأ في التقدير، فكان كل هذا الذي نراه حالياً ضربات قاسية متبادلة، وأسلحة تتدفق على ساحات المعارك، وتهديدات بسلاح نووي قد يتدخل لحسم الأمور، حتى جاءت حكاية «القنبلة القذرة»، التي ظننّا أنها مثل كل القنابل، قذرة منذ أن اخترعت ووضعت في أيدٍ غير أمينة، كلها قذرة لأنها تهين الإنسان بيد أخيه الإنسان، لكنهم كانوا يتحدّثون عن شيء آخر، عن تجميع لبقايا المفاعلات النووية وتركيبها لتتحول قذارتها إلى وسيلة تدمير وقتل في أرض ارتوت طوال الأشهر الماضية بالدم.
أوروبا قد تدفع ثمناً غالياً لاندفاعها في قضية ضم أوكرانيا إلى اتحادها وحلفها العسكري، وقد نبهتها المصائب الناتجة عن الحرب مؤخراً، فبدأت الأصوات تعلو مطالبة أمريكا بالتفاوض مع الروس، وهم يعلمون بحجم الدور الأمريكي في كل ما حدث، وقد يكون بعضهم توصل إلى الاستنتاج الصحيح، وهو أن هناك من يريد أوروبا ضعيفة وممزقة، وهذا الاستنتاج قد يكون مؤشره الأول الخلاف الذي بدأ يطفو إلى السطح بين ألمانيا وفرنسا، فإذا لم يتدارك المستشار الألماني شولتز والرئيس الفرنسي ماكرون الأمر بعد اجتماع أمس، ستكون هذه بداية النهاية للاتحاد الأوروبي!
بقلم: محمد يوسف