بقلم: د. حُسَام الدِّين سَمِير
أستاذ العلوم اللغوية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
أصبحَ الاستعمالُ الكَبِيرُ للذَّكَاءِ الاصطناعيِّ وآليَّاتِهِ مَصْدَرَ قَلَقٍ لكثيرٍ مِنَ النَّاسِ جَرَّاءَ تطوراته المُذْهِلَة القويَّة، وتسخيره في مناحي الحياةِ المختلفةِ، بَيْدَ أنَّهُ مِنَ المُهِمِّ جدًّا ألَّا نَقِفَ طويلًا عند الجوانب السَّلْبِيَّة له، بل علينا أنْ نُسَخِّرَ الذّكاءَ الاصطناعيَّ في خِدْمَةِ عُلُومِنَا ومَعَارِفنا ونموّها بالشَّكْلِ اللَّائِق، ومنه تسليط الضَّوءِ على الذَّكاء الاصطناعي وأدواره الفاعلة، مثلًا في خدمة اللغات عمومًا واللغة العربية وتعلُّمها على وجْهٍ خاص، وكذلك توظيفه في محاولة اللِّحَاقِ بجوانب التَّطَوُّر الاقتصادي والتكنولوجي في النَّواحِي كافَّة.
لقد أصبحَ الاتِّصَالُ في الميدانِ التَّربويّ من العمليات الجوهرية في حياةِ الناس، حيث يقومُ بدورٍ تربويٍّ كبيرٍ وبخاصَّةٍ في المجتمعات الحديثة باعتمادِهَا على العِلْم والآلة، وأحد الوظائف الأساسية للاتصال هو التَّعَلُّم واستثمار المواهب الذّهنية والسّلوكية لدى طائفة الموهوبين من الطلاب ؛ فالتعليمُ هو عمليةٌ تفاعليةٌ تَنْتَقِلُ فيها الخبراتُ والمعارِفُ والمعلومات مِنْ ذِهْنِ المُعَلِّمِ إلى ذِهْنِ المُتَعَلِّم. ومِنَ المعروفِ في الأوساطِ التعليميةِ أنَّ الطُّلَّابَ الموهوبين يتمتَّعون بسلوكٍ شخصيّ يُفِيدُهم في أنْ يقوموا بحُسْنِ تَطْوِيعِهِ لِكَسْبِ المعلوماتِ والخبرات، ومواكبة التطبيقات الحديثة، وتحقيق التطورات المرجوَّة في العمليةِ التعليمية. ومِنْ هنا يُمْكِنُ استغلال الذَّكَاءات القويَّة لدى الطَّلَبَةِ الموهوبين لزيادةِ الكفاءاتِ المتعدِّدة وتعزيزها لديهم، مِنْ مِثْلِ : الذكاءات اللفظية، والذَّاتية، والاجتماعية، والجسدية، والبصرية، والإيقاعية، والمنطقية. كما ينبغي في هذا المقام التنبيه إلى أنْ يَتِمَّ استخدامُ تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ في تدريس الطلبة الموهوبين بشكلٍ متوازنٍ مع التوجيهِ الإنسانيّ، والمراقبة في الوقت ذاته ؛ لِضَمَانِ أنْ تكونَ تجاربُ التَّعَلُّمِ ملائمةً وفعَّالَة.
وإذا تمَّ تنفيذُها بشكلٍ صحيح، فإنَّ هذه التطبيقات يُمْكِنُ أنْ تُسْهِمَ في تحفيزِ الطلابِ الموهوبين وتعزيز تطويرهم الأكاديميّ والشخصي. كما أنَّ استخدامَ تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعي في تدريس الطلاب الموهوبين يُمْكِنُ أنْ يكونَ له تأثيراتٌ كبيرةٌ في تعزيزِ تجربةِ التعلُّمِ، وتطوير المهارات المتنوِّعة التي تحتاجها الأجيالُ الشَّابّة للحياةِ والعمل، منها على سبيل المثال لا الحصْر :
[أ]- تخصيص التعلُّم : حيثُ يُمْكِنُ استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتقديم تجارب تعلُّم مَخْصُوصَة ومُحَسَّنَة وفقًا لاحتياجاتِ كُلِّ طالبٍ وقدراته. كما يمكن للتطبيقات استخدام تقنيات التعلُّم الآلي لتحليل نمط التعلُّم لكل طالبٍ، وتقديم محتوى متنوع ومناسب لكل مستوى.
[ب]- توفير ردود فِعْلٍ فورية : حيثُ يُمْكِنُ لتطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ تقديم ردود فِعْلٍ فورية ودقيقة حول أداء الطلاب وفهمهم للمواد الدراسية، وهذا من شأنه أنْ يُساعدَهم في تحديدِ نقاطِ القوةِ والضعف، والعمل على تحسينها.
[ج]- تعزيز التفاعل : حيثُ يُمْكِنُ تطويرُ تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ لتعزيزِ التفاعل بين الطلاب والمحتوى التعليمي من خلال توفير تجارب تفاعلية ومُشَوِّقَة.
[د]- توجيه الطلاب إلى الاهتمامات الفردية : حيثُ يُمْكِنُ لتطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ استخدامُ تحليلاتٍ متقدِّمة لفهم اهتماماتِ الطلاب وتوجيههم نحو المواد والموضوعات التي تتناسبُ مع اهتماماتِهم الشخصية.
[ه]- تعزيز التعلُّم المتكامل : حيثُ يُمْكِنُ لتطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ تقديمُ موارد تعليمية متنوِّعة ومتكاملة، مثل : الفيديوهات التعليمية، والمقالات، والأسئلة التفاعلية ؛ وذلك بُغْيَة تعزيز عمليات التعلُّم وفهم المفاهيم.
[و]- تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي : حيثُ يُمْكِنُ لتطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ تقديمُ تحدياتٍ ومشاريع تعليمية تُشَجِّعُ الطلبةَ على تطويرِ مهاراتِ التفكير النقديّ والإبداعيّ من خلال حَلِّ المشكلاتِ واستكشافِ الأفكار الجديدة.
إنَّ اللجوءَ إلى طرائقِ الذَّكاءِ الاصطناعيّ وهندسة المعرفة هو أحد الحلول الضرورية للمحافظةِ على الوجودِ والهُوِيَّة العربية في ظِلِّ العولمة والتَّعَدُّديات اللغوية والتَّنَوُّعات الثقافية. وبشكلٍ عام، فإنَّ تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ تُعَزِّزُ الكفاءةَ، وتُوَفِّرُ حُلُولًا مُبْتَكَرَة للعديدِ مِنَ التحدياتِ في مختلفِ الصِّنَاعَاتِ والمجالات ؛ مما يُسْهِمُ في تطويرِ الأعمال وتحسين جودة الحياة. كما أنَّ تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ تعملُ على توفيرِ العديدِ مِنَ الفوائدِ في مجموعةٍ عريضةٍ من المجالات والصناعات.
ورغم الفوائد الكبيرة التي تُقَدِّمُها تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيّ، إلا أنَّ ثَمَّة تحديات قد تُوَاجِهُ عمليةَ تطبيقِها وتبنِّيها في مختلفِ المجالات، من بين هذه التحديات :
[أ]- الخصوصية والأمان : فقد تُشَكِّلُ تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيّ تحدياتٍ فيما يتعلَّقُ بحفظِ البياناتِ الشخصيةِ والحفاظ على الخصوصية. وفي هذا الإطار تَجِبُ الإشارةُ إلى ضمانِ أنَّ البياناتِ المستخدَمَة والمعالجة تحمي بشكلٍ صارمٍ، وتتوافقُ معَ التشريعاتِ واللوائحِ الخاصة بالخصوصية.
[ب]- التمييز والتحيز : فقد تُوَاجِهُ تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيّ مشكلاتٍ في التمييز والتحيُّز، حيثُ يُمْكِنُ أنْ تكونَ النماذجُ المستخدَمة متحيزة نحو فئاتٍ مُعَيَّنة أو تعتمدُ على بياناتٍ غير متوازنة.
[ج]- الشفافية والشرح القابل للفَهْم : فقد تكونُ نماذجُ الذكاءِ الاصطناعيّ مُعَقَّدَةً للغاية وصعبة التفسير. ومِنَ المُهِمِّ أنْ تكونَ عملياتُ اتخاذِ القراراتِ الخاصَّة بها شفافةً وقابلةً للفَهْمِ لضمانِ الثقةِ والمصداقية.
[د]- القوانين والتشريعات : فقد تُوَاجِهُ تطبيقاتُ الذكاءِ الاصطناعيّ تحدياتٍ قانونيةً وتشريعيةً، خاصة فيما يتعلَّقُ بالمسؤوليةِ المدنيَّة والجنائيَّة عن القرارات التي تتخذها أنظمتها.
[ه]- التحديات الأخلاقية : حيثُ يُثِيرُ استخدامُ الذكاءِ الاصطناعيّ بعضَ التساؤلاتِ الأخلاقية، مثل : الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في حياةِ البشر وتأثيرها على القِيَمِ الاجتماعيةِ والثقافية.
[و]- التطور التكنولوجي السريع : حيث ينبغي على مُطَوِّري تطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيّ أنْ يُوَاكِبُوا التطوراتِ التكنولوجيةَ السريعةَ ويَتَبَنَّوْا أحدثَ التقنياتِ والممارساتِ لِضَمَانِ جودةِ التطبيقاتِ وفاعليتها.
[ز]- تحديات التبنِّي والتكامل : فقد تُوَاجِهُ التطبيقاتُ صعوباتٍ في عمليات التَّبَنِّي والتكامل مع البِنَى التحتية القائمة والنُّظُم المعتمدة حاليًّا. وفي هذا الصَّدَدِ يجب على المطوِّرين والمستخدمين والمنظمات أنْ يتعاملوا مع هذه التحديات بجديةٍ لضمانِ أقصى استفادةٍ مُمْكِنَة من التكنولوجيا، وتقليل المخاطر والمشاكل المحتملة.
هناك العديد من أدواتِ الذكاءِ الاصطناعيّ التي يُمْكِنُ استخدامها مِنْ قِبَلِ المعَلِّمين في تدريس الطلاب الموهوبين، من بين هذه الأدوات ما يلي :
[أ]- منصات التعلُّم الذكي : تشمل منصات مثل Google Classroom وMicrosoft Teams وCanvas وغيرها، التي توفر أدوات لإدارة الصفوف، وتحميل المواد التعليمية، وإنشاء تقييمات واختبارات.
[ب]- تطبيقات التعلُّم الذكي : تشمل التطبيقات مثل Kahoot وQuizlet وNearpod وEdmodo، التي تُقَدِّمُ أدواتٍ لإنشاءِ أسئلةٍ وتقديم المحتوى التعليمي بشكلٍ تفاعليٍّ وجذَّاب.
[ج]- أنظمة التعلُّم الآلي : تشمل أنظمة مثل DreamBox و IXL وProdigy، التي توفر بيئاتٍ تعليميةً متكاملةً تستخدمُ الذكاءَ الاصطناعيّ لتخصيصِ تجارب التعلُّم وتحليل أداء الطلاب.
[د]- منصات التعلم عبر الإنترنت : تتضمن منصات مثل Khan Academy وCoursera وUdemy، التي تُقَدِّمُ مقاطع فيديو تعليمية ودورات تدريبية في مجموعةٍ متنوعة من الموضوعات والمهارات.
[ه]- أدوات تحليل البيانات التعليمية : تشمل أدوات مثل Tableau وPower BI وGoogle Data Studio، التي تساعد المعلِّمين في تحليل بيانات الطلاب، وفهم أنماط التعلُّم، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين.
[و]- منصات التعلم عبر الإنترنت بنظام الفصول الدراسية الافتراضية : مثل Zoom وGoogle Meet وMicrosoft Teams، التي توفر وسائل للتواصل الافتراضي وتقديم الدروس عن بُعْدٍ بشكلٍ مباشر.
[ز]- أنظمة تعلُّم الآلة والذكاء الاصطناعيّ المخصَّصَة : حيثُ يُمْكِنُ استخدامُ الأنظمةِ والتطبيقاتِ التي تعتمدُ على تقنياتِ التعلُّم الآليّ والذكاءِ الاصطناعيّ لتحليلِ أداءِ الطلاب، وتقديم توصياتٍ تعليمية مخصَّصة.
تلكَ هي بعضُ الأدواتِ التي يُمْكِنُ للمعلِّمين استخدامُهَا في تدريسِ الطلبة الموهوبين باستخدامِ الذكاءِ الاصطناعيّ. حيث يتطلب هذا الأمرُ اختيارًا مثاليًّا للأدواتِ، والإلمام بمعرفة أهداف التعلُّم، واحتياجات الطلاب، وطرق التدريس التي تدعمها.