بقلم: د. مريم الشامسي
كانت قوة اللغة وفصاحتها تُعرف عبر صحة الخبر المروي عن العربي الفصيح، لذلك تحرَّى اللغويون كثيرًا في النقل والرواية؛ حتى لا يختلط ما هو فصيح بما يناقضه، فقد كان هدف الرواة الاجتماع على لغة واحدة موَّحدة وذلك على الرغم من اختلاف القبائل التي أخذوا عنها، وتنوع لهجاتها، ومن ثم فقد كان منهجهم هو نقل اللغة باعتبار الفصاحة، وبناء على ذلك، احتل النثر من كلام العرب مكانًا متميزًا في مصادر السماع عند النحاة،
وكان معيار الاستشهاد بنثر العرب إنما يعود إلى توافر صفة الفصاحة؛ أي نقاء اللغة وخلوها من اللحن وفساد الألسنة، والمتأمل في كتابي سيبويه والفراء؛ بوصفهما أقدم أثرين لمدرستي البصرة والكوفة في النحو يجد اعتمادًا كبيرًا على شاهد النثر من كلام العرب لإثبات القواعد النحوية، فها هو سيبويه على سبيل المثال يقول في باب “ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء: “وسمعنا بعض العرب الموثوق به، يقال له: كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناء عليه، كأنه يحمله على مضمر في نيته هو المظهر، كأنه يقول: أمري” وشأني “حمد الله وثناء عليه.
أما الفراء فيستخدم شاهد النثر تفسيرًا لشاهد قرآني، يقول في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ (المطففين: 3) “الهاء في موضع نصب، تقول: قد كلتك طعامًا كثيرًا، وكلتني مثله، تريد: كلت لي وكلت لك، وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس آتينا التاجر فيكيلنا المدد والمدين إلى الموسم المقبل، فهذا شاهد، وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس
فالسماع النحوي يمثل وسيلة علمية مضبوطة لإثبات القاعدة النحوية؛ ومن ثم فهو يعبر عن أحد مظاهر الموضوعية التي يتصف بها العلم المضبوط، وهي: الضبط وإمكانية التحقق الخارجي.