تتأثَّر معظم المؤسسات الحكوميَّة والخاصَّة وبغض النظر عن الصناعة أو الفئة إما مادياً أو معنوياً بسبب الأزمات والتغيُّرات المستمرَّة. وفي هذه ألأزمة الوبائيَّة التي أثرت على العالم أجمع نفسياً واقتصاديأً، فإن الكثير من الشركات والمؤسسات المحلية في جميع القطاعات قد تأثرت سلبياً، وعلى هذه المنظمات أن تدرك أن العمل كالمعتاد – بنفس الكفاءة والعادات القديمة والمعتادة – قد انتهى.

على هذه المنظمات أن تدرك أنه من الصّعب العسير أن تتمكن هذه المؤسسات من إدارة أعمالها كالمعتاد إن أرادت ان تتعافى وتتحسن وتتطوَّر. ليحصل ذلك، يجب على منتسبي المؤسسة بأكملها أن يعملوا معاً وبكفاءة أعلى بكثير من المستوى المعتاد. وهذا لن يحصل إلا إذا تم تغيير الثقافة التنظيمية بالكامل. فالتغيير في العادات والسلوك – وليست المعرفة أو المهارات – هو اصل الابداع والانتاجية والتميُّز.

إن النجاح يسبب التراخي والتقاعس بكل سهولة، فما بالنا بوجود وباء مستفش وتقييد للحركة ونقص في الدخل  واضطرابات نفسية وعدم يقين في المستقبل القادم؟ بالتأكيد سوف يؤثر ذلك على فعالية وكفاءة ألأفراد والمنظمة بأكملها حتى الأكثر نجاحاً منها. ولقد واجهت منظمات عالمية والتي أرست قواعدها بقوة بالرغم من نجاحها على المدى الطويل نفس التحديات والصعوبات ولأسباب أقل وطأة من وباء الكورونا وكادت تخرج نهائيا من سوق العمل.

وعندما تعترف إدارة المنظمة بهذا الخطر فإنها تتتجاوب معه بإحداث تغييرات داخلية وتنفيذ تعديلات معيَّنة وإعادة هيكلة وما شابه ذلك. إلا أنه ووفقا لأبحاث جامعة هارفارد الذي أُجريت على ١٠٠ منظمة كبيرة وُجد أن أكثر من ٧٠ بالمئة من مبادرات التغيير المؤسسي تبوء بالفشل. فإما أن هذه التغييرات لا تبدأ اساساً أو أن جهود التغيير قد ذهبت سدى أو أن التغيير تم تحقيق بعضه وفي وقت متأخر ومع تجاوز في الميزانية وإحباط للأغلبية من الأطراف المعنيَّة.

إن السبب الرئيسي في فشل معظم مبادرات التغيير المؤسسي ليس إلا أن هذه المبادرات تفشل في تغيير سلوك الموظفين والعاملين في المؤسسة. فمعظم برامج التطوير التنظيمي وتغيير الثقافة التنظيمية أو إدارة التغيير تبدأ عادةً بتغيير السياسات أو الإجراءات أو إعادة الهيكلة والذي يعتقد البعض أنه سيؤدي إلى تغيير في السلوك والنتائج – إذا تم قبوله من قبل الموظفين بما يكفي.

أن التغيير في السلوك والعادات لا يحدث إلا بمخاطبة الإنسان على المستويات العقلية والعاطفية والبدنية وخلق هدف مشترك ولغة مشتركة للتواصل وتوجيه التركيز لتنفيذ المهام واتخاذ القرارات. مما سيؤدي إلى تغييرات في الوعي والإدراك والإشباع العاطفي لدى الموظفين داخل المنظمة والتي ستؤدي في النهاية إلى تغيير الثقافة المؤسسية التي تعتبر الحل الأمثل – وقد يكون الوحيد – للمشاكل التي تحدث داخل المنظمات.

فنحن نعلم ومن خبرتنا أنه إذا قمنا بتحسين الثقافة التنظيمية فسيتم حل معظم الصعوبات والمشاكل المتعلقة بالأشخاص في العمل ويوافقنا الرأي معظم مديرو الموارد البشرية ورؤسائها ولكن ألأغلبية منهم تعتقد أن عملية التغيير قد تكون مستحيلة أو أنها ستستغرق سنوات وسنوات.

أثبتت بحوثنا وإحصائياتنا وبناءاً على معايير المهارات القابلة للمقارنة عبر ٨ فئات وصناعات مختلفة – من ضمنها مؤسسات حكوميَّة – أن هناك ٥ مستويات من ثقافة الشركات وأدناها هي ثقافة اللوم حيث القليل من الإبداع والفعاليَّة وحيث عدم الثقة وتركيز الأفراد على الراتب والمصلحة الشخصية.  تستغل المؤسسات ذات “ثقافة اللوم” أدنى إنتاجية من موظفيها، حيث يبلغ متوسطها أن ١٠٠ شخص يقومون بعمل ٦٠ شخصاً فقط. بينما في أعلى مستوى لثقافة الشركات – الثقافة الغنية بالقيادة – فإن ١٠٠ شخص يقومون بعمل ١٥٩ شخصاً.  وهذا مثل وجود ٥٩ موظفاً إضافياً مجانياً فهل هذا يجعل من المؤسسة أكثر إنتاجية وأقوى تنافسية؟ وهل من الممكن تغيير وإنشاء ثقافة مؤسسية حماسية وقيادية وشغوفة في أقل من ٣ أشهر وليس سنوات وسنوات؟

إن عملية تغيير الثقافة المؤسسية الناجحة تحتاج الى منهجيَّة سيكولوجيَّة مدروسة ومجربة تضمن نجاح المبادرة وقادرة على تقديم نتائج سريعة وواضحة وتبدأ بمعرفة أين نحن وأين نريد أن نكون وما الذي يجب تغييره. يجب أن تُغيِّرهذه العملية طريقة التفكير والموقف والسلوك للأفراد والتصور الشخصي لعلاقة الفرد بالعمل ومقدار الشعور الشخصي بالقيمة اثناء العمل ومقدار ألإشباع العاطفي والشخصي من الوظيفة والإلتزام بالأهداف التنظيمية والثقة في القدرة على التأثير في بيئة العمل وخلق بيئة عمل أفضل. كما يجب أن يكون فهمها وتطبيقها سهل وأن يشترك في هذه العملية جميع الموظفين في المؤسسة – بدون استثناء.

بقلم: د. علي القاسم – الأردن