|  آخر تحديث يوليو 14, 2019 , 22:52 م

المغزى في قلب الشاعر


المغزى في قلب الشاعر



 

قد يسترجع البعض منا أيام الزمن الجميل حين كنا نتابع أفلام الكرتون والتي كنا ننتظرها بفارغ الصبر لما كانت تحمل في جعبتها الكثير من الحكايا بجمالها حتى وإن كانت من وحي الخيال، فقد كان ذلك الخيال لذيذا جميلا بريئا يحاكي طفولتنا النقية البريئة التي لم تلوّث في ذلك الزمان، نحن من أصبح يطلق علينا جيل الطيبين، فنحن كنا ومازلنا وسنظل كذلك لما حفر في قلوبنا وعقولنا منذ الصغر الكثير من العادات والتقاليد والأخلاق والتربية فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر ، نعم إنها كل تلك الأشياء المتأصلة فينا قلبا وقالبا، وما أكثر ما يحمله جيلنا من قيم ثابتة ومعتقدات قيمة وموروثات اصيلة فنحن كغيرنا امتداد بين جيلين..

ما أجمل المقارنة البسيطة أو المفارقة الخفيفة بين ما كنا عليه وما أصبح عليه جيل زماننا هذا..
كان التلفاز لا يتعدى القنوات التي تعد على أصابع اليدين، وكنا نصحوا ونأكل ونشرب ونتعلم ضمن مواعيد وقوانين منزلية وأسرية أو ما نسميه الدستور المنزلي ، لا أبالغ أن الكثير منا كان يضجر من تلك القوانين ولا يتقبل البعض منها، ولكننا حين أدركنا ووعينا لما كان يحصل عندها فقط استشعرنا معنى أن يتم الحفاظ علينا  من تشوهات الزمن وانفتاح العولمة المتسارعة..

 

 

لقد أصبحت اجيال اليوم تحمل مسميات لا حصر لها فهناك جيل الانستغراميين وجيل المشاهير الذين لابد أن يكون فيهم ما فيهم لينالوا الشهرة من أوسع أبوابها، وهناك المغردون أو التويتريون الذين ما أن اقتحموا الموقع بالتغريدات حتى أصبح كل يغني على ليلاه فتجد المفتي والطبيب والسياسي والقائد والمعلم والطباخ (من الاخر بتاع كله) .
أما آخر صيحة فهم السنابرز او السنابيين الذين أصبحت حياتهم ملكا لملايين البشر ممن يتابعوهم أو ممن يحتفظون بما ينشرون ليتناقلوه فيها بينهم، أما المشاهير أصحاب الشاشات الحمراء من على موقع اليوتيوب فحدث ولا حرج، انا هنا لا أهدف إلى تسليط الضوء بشكل سلبي، ولكن السلبية موجودة موجودة والخلل في تأدية الوظائف لم تعد النفس البشرية كما هي على طبيعتها ولم نعد قادرين على مجاراتها أو تحملها .. فالمقارنات التي تفتك بمن لا عقل لديه ليمتلك هذا العطر وتلك الحقيبة وهذه السيارة وتلك الرحلة وغيرها أصبحت الجيوب لا تستطيع أن تلبي ما تطلبه العقول..

 

 

وكم من محترف أتقن المثالية الزائدة التي يمارسها على متابعيه ليزداد هذا العدد ويتضخم ومن ثم يتفاخر بما لديه وكأنهم صيد ثمين بين الحين والحين ،  والمصيبة الأكبر حين تجد أن صاحب الحساب يبيع ما يملك لأعلى سعر، أإلى هذا الحد وصل الاستخفاف بالبشر والإنسانية…؟!

قبل أيام قليلة كنا نتجاذب أطراف الحديث حول ما إذا تحولت ظاهرة الجروبات في الواتس اب إلى مؤسسات صغيرة يتم منح أعضاؤها الكثير من المزايا والمكافات مثل الجولات السياحية المتميزة ، وحجز عشاء فاخر، وتخصيص مبلغ معين مقابل المشاركات ، فقلت لأحدهم أويلي ويلاه لو تحقق هذا الأمر ففي أي مملكة سنستقر وماذا سيطلق علينا وقتها؟!!

عن نفسي امنيتي ان أنشيء مصنعا للأمل والحب والسعادة ليس للخيال والتمني فقط لا بل لأنتج ملايين الكبسولات من هذا المنتج العجيب لتكون بمثابة جرعة يومية بدون آثار جانبية سلبية ، وفيتامينات المشاعر الايجابية والأخلاق الأصيلة والضمائر الحية والكثير من الحب الصافي في القلوب …

 

فهذا ما أصبحنا نطمح إليه وما أحوجنا لنجده ونأمل أن نراه في زمننا هذا، فقد افتقدنا الضحكة الصادقة والابتسامة العفوية والمزح النظيف بدون أية رسائل أو مغزى مبطن، وحين يطلب منك في الامتحان تفسير هذا البيت من الشعر لتكن الإجابة منطقية وجاهزة اكتب الإجابة هي ( يبقى المغزى في قلب الشاعر ) ..
و للحديث بقية باقية ..

 

 

بقلم: د. تهاني التري


أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

WP Facebook Auto Publish Powered By : XYZScripts.com