يستضيف متحف الاتحاد معرضه المؤقت الثاني «حُماة الوطن تضحية وعطاء» الذي فتح أبوابه أمام الزوار في ديسمبر الماضي بالتزامن مع احتفالات اليوم الوطني السادس والأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة ويستمر لمدة ستة أشهر، وذلك على هامش فعاليات عام زايد وضمن البرنامج المتواصل للمعارض المؤقتة للمتحف، بهدف التعريف بملحمة رجال القوات المسلحة وتاريخها الذي يمثّل مصدر إلهام للشباب المواطن، وموضع ثناء وتقدير في كافة المحافل الدولية.
بين الماضي والحاضر يسرد المعرض المهيب في تفاصيل مقتنياته من أسلحة وميداليات وأزياء ونماذج سيارات عسكرية يغلّفها عبق المجد والفخر بأبطال الإمارات الذين سطروا بشجاعتهم ملاحم البطولة والفداء والتضحية دفاعاً عن الوطن والحق والشرعية، ليبقى علم الإمارات يرفرف خفاقاً عالياً وحتى يومنا هذا والتي دأبت على تطوير قدراتها العسكرية وتحديثها ومواكبة التطور المطرد في الأنظمة والمعدات العسكرية براً وبحراً وجواً الأمر الذي جعلها على جاهزية قتالية عالية تسمح لها بمواجهة كافة الصعوبات.
معرض القوات المسلحة هي نافذة مشرعة بذكريات خالدة التي تحرص على بقاء أبنائها موصولين بها بأسباب قوية مكينة ترعى لهم وجودهم ليرعوا لها وجودها ويحافظوا على تاريخها فتحيطهم في حياتهم ليحيطوها إلى مماتهم، وما يسترعي الاهتمام في المعرض صوتيات لخطابات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهما من مقتنيات المكتب الإعلامي لحكومة دبي، تشيد برجال القوات المسلحة البواسل من بطولات وتضحياتهم في ميادين الحق والواجب هو مبعث فخر لكل إماراتي؛ لأن هذه التضحيات تعبّر عن مبادئ الإمارات وثوابتها الأصيلة في نصرة الحق والتضامن مع الأشقاء في مواجهة المحن والأزمات، وهذه التسجيلات تضيف إلى المتحف وزوّاره الكثير من الذكريات وتجعلهم يشعرون وكأن الزعيم يستقبلهم شخصياً في متحفه.
المعرض المؤقت يسلط الضوء في أركانه المتعددة والمميزة ببساطتها وتلخيصها المتسلسل بدقة تاريخ القوات المسلحة منذ خمسينيات القرن الماضي، ففي البداية كانت لكل إمارة قوة دفاعية محلية خاصة بها، وتعد قوة الساحل المتصالح النواة التي تأسست عليها القوات المسلحة لدولة الإمارات، ففي عام 1971 تم تغيير مسماها إلى قوة دفاع الاتحاد بقيادة الحكومة الاتحادية وقائدها الأعلى رئيس الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وفي عام 1974 تم تغيير مسماها إلى القوات المسلحة الاتحادية.
وأمام منصات العرض ومحتوياتها التي لا تقدر بثمن تخلط مشاعر الزائرين بين الاعتزاز والامتنان العميق بمشاهدات لن تكرر لمقتنيات حصرية تعرض أمام الجمهور للمرة الأولى عبر أركانه المتعددة ومنها «أسمى التضحيات» الذي يحتفي بأفراد القوات المسلحة الذين قدموا أسمى التضحيات وتكريمهم، من خلال فداء الوطن والأمة بأرواحهم، إلى جانب «القيادة من الصفوف الأمامية» الذي يسلط الضوء على المشاركة المباشرة والشخصية لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة في الجيش، واستعدادهم لتقديم قدوة لأبناء الإمارات، كما يستعرض ركن الاتحاد قوة «تطور قوات الدفاع المحلية في الإمارات بعد الاتحاد»، إضافة إلى العرض الزمني للقوات المسلَّحة: ويتناول تسلسل الأحداث من عام 1951 وحتى اليوم كما يتتبع تاريخ القوات المسلحة الإماراتية من قوات ساحل عمان المتصالح في العام 1951 وحتى البعثات الإنسانية الخارجية التي تؤديها القوات المسلحة في الوقت الراهن، كما يحتفل ركن «القوات المسلَّحة اليوم –الافتخار بالخدمة» بالرجال وبالنساء، منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، ممن يواصلون العطاء والخدمة.
ليس مفارقة أبداً أن يتنفس العصر عبر التاريخ، ويلتقي حب الوطن بفخر الانتماء ما دام الاتحاد شاهد عصر استثنائياً على قهر المستحيل حيث يستعيد المعرض الدور المحوري الذي لعبته قوة الساحل وأفراد القوات المسلحة الذين أسهموا بتفانيهم وتضحياتهم في حفظ أمن البلاد، ما سهل انتقال الدولة إلى مرحلة الدولة الحديثة، التي تحمي حدودها قوات مسلحة عالية التدريب والخبرات القتالية المتميزة في العدة والعتاد، بل أصبح لهذه القوات الدور المؤثر في المساعدات الإنسانية والتحالفات الإقليمية، منعاً للكوارث، وفرضاً لقيم السلام وردع المعتدين، دفاعاً عن الأرض والعرض والدين، وذوداً عن عروبتنا وخليجنا.
السرد الزمني وتفاصيل المتسارعة لملحمة الاتحاد تسترعي اهتمام الزائر الذي تغمره مشاعر الحب والانتماء وروح البذل والفداء لكافة التفاصيل وبناء مؤسسات الاتحاد الذي بزغت شمسه في العام 1971 وذلك بتوحيد القوات المسلحة في السادس من مايو من العام 1976.
وفي ركن المعرض المخصص لمشاركات الخارجية نماذج متعددة لدور القوات المسلحة ضمن بعثات حفظ السلام والبعثات الإنسانية في الخارج، والتي جعلت الإمارات رمزًا عالميًا للأعمال الخيرية والتسامح، وكان دور القوات المسلحة ولا يزال في مجال المساعدات الإنسانية مضرب المثل في بث روح الأمل في نفوس المحتاجين والفقراء في جميع بقاع العالم ففي «عمليات حفظ السلام الدولية» من الأمثلة الحية التي تجسد الدور الفاعل لسياسة الدولة الخارجية في مجال المساعدات الإنسانية والإغاثية في شتى بقاع العالم.
وفي عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» كان للقوات المسلحة مشاركات عديدة ومساهمات منذ بداياتها ولعل أولاها عام 1976 في لبنان ضمن قوات الردع العربية وفي عام 1991 ضمن قوات درع الجزيرة لتحرير الكويت وانضمامها مع قوات الأمم المتحدة في عملية إعادة الأمل للصومال في عام 1992.
كما قدمت القوات المسلحة الكثير من المساعدات للمشردين والمحتاجين في إقليم كوسوفا عام 1999 إلى جانب إيوائهم في معسكرات مجهزة بالكامل تسد رمق جوعهم وتقيهم البرد وكان لها الدور الأهم في تطهير الأرض في الجنوب اللبناني من الألغام عام 2001.
كما شاركت في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» في أفغانستان ضمن قوات «إيساف» منذ بداية العام 2003 وبلغ عدد أفراد القوات المسلحة الإماراتية المشاركة في القوة أكثر من 1200 عنصر ولعبت تلك القوات دوراً حيوياً في تأمين وإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الأفغاني الشقيق فضلاً عن قيامها بدور مواز في خطط إعادة الإعمار والحفاظ على الأمن والاستقرار هناك، وبدعم ومتابعة من الشيخ زايد «رحمه الله» كانت القوات المسلحة سباقة على مستوى محيطها الإقليمي في المشاركة للدفاع عن دولة الكويت وشعبها الشقيق ضمن قوات درع الجزيرة عام 2003.
في ختام الجولة وبقاعة مجاورة للمعرض يشاهد الزوار فيلماً تسجيلاً قصيراً مدته 6 دقائق بتقنية العرض الثلاثي الأبعاد يتعرض من خلال تقنياته العالية لإنجازات ومشركات القوات المسلحة وأبطالها ودورها المؤثر إلى جانب قوات الأمم المتحدة كما قدمت كثيراً من المساعدات للمشرّدين والمحتاجين في إقليم كوسوفا عام 1999، ولعبت دوراً حيوياً في تأمين وإيصال المساعدات الإنسانية.